تخيل أنك وضعت ماء في مكان ما، ثم قمت بزيادة حرارة المكان مع الحفاظ على الضغط مستقرا. جميعنا نعلم ما سيحدث. سيبدأ الماء في الغليان إلى أن يصل إلى درجة معينة و يتبخر، و لو قمت بخفض الحرارة سيتجمد و يصبح جليدا. تغيير الضغط مع الحفاظ على الحرارة مستقرة سيكون له نفس المفعول و لكن بشكل عكسي: الزيادة في ضغط الوسط ستجعل الماء يتجمد بينما تقليصه سيجعل الماء يتبخر.
لكن تخيل لو كنا في وسط يجمع في الآن ذاته بين الحرارة و الضغط شديدي الانخفاض، الفضاء الخارجي مثلا، ليكونا شبه معدومين بالمقياس المطلق؟ كيف ستتصرف جزيئات الماء السائل حينها؟ هل ستجعل الماء يتجمد من قلة الحرارة، أم تجعله يتبخر من قلة الضغط؟
الأرض هي أحد الأماكن النادرة والمُميزة بشكلٍ كبير في مجرتنا، حيث تتواجد فيها المياه بشكل مستقر كسائل، و لو أردت أن تجمع كل مياه المحيطات على الأرض لكانت تزن أكثر من 10^18 طن، أي أكبر حجماً من أكبر الكويكبات على الإطلاق، وبنفس حجم أكبر أقمار بلوتو، تشارون.
لكن الماء يمتلك مجالاً ضيقاً جداً يمكن أن يتواجد فيه كسائل. فعلى سبيل المثال إذا أخذت مياه دافئة إلى درجات حرارة عالية جداً فإنها سوف تبدأ بالغليان وبالتالي تصبح غازاً. وكلما زدنا ارتفاع المياه عن سطح الأرض أي قللنا الضغط المطبق عليها كلما انخفضت درجة غليانها (المترجم).
لماذا؟ لأن الارتفاعات العالية عن الأرض تعني ضغطا منخفضاً. فإذا لم تتواجد قوة كافية مطبقة على المياه تحولها للطور السائل، فلن تبقى هنالك قوة تربط جزيئات المياه مع بعضها البعض. فإذا سمحت لها سوف تنتشر بسهولة وهذا هو مبدأ الغاز وهي الحالة المادية التي سنصل إليها.
وفي المقابل لا يمكن للماء أن يكون سائلا عند درجات الحرارة المنخفضة. فإذا بدأت بمياه سائلة فيمكن أن تتحول إلى غاز عبر تخفيض الضغط لكن يمكن أيضا تحويلها إلى صلبة عبر تخفيض الحرارة.
فإذا السؤال هو: إذا أخذنا كأس مياه إلى الفضاء الخارجي فهل سوف تتبخر المياه أم تتجمّد؟
يبدو هذا السؤال معقّدا حيث أنه بالإضافة للمعرفة عن الماء فإنه يجب علينا أن نعرف عن الفضاء الخارجي. هنالك عدة أشياء تخطر ببالنا حين نفكر في الفضاء الخارجي: برودة، ظلمة وفراغ ، و ستخطر ببالنا بمجرد خروجنا من الأرض.
إن حرارة الفضاء هي عند أقصى درجات برودته هي حرارة بقايا توهّج الانفجار العظيم. هذا الإشعاع، المعروف باسم "إشعاع الخلفية الكوني CMB" يغمر الكون بكامله في درجة حرارة تبلغ حوالي 2.7 كلفين، وهذا أكبر من الصفر المطلق بـ 3 درجات مطلقة فقط، أو ما يقارب 270- درجة مئوية. لكن هناك أيضاً غياب للضغط في الفضاء حرفياً. فإذا ماذا سيحدث؟ من يغلب؟ هل ستتخبر المياه أم هل ستغلي؟
الغريب أن الجواب هو الأول ومن ثم الثاني! وسبب هذا يعود إلى أن اكتساب ضغط الخلاء يؤدي إلى غليان الماء على الفور تقريباً. بعبارة أخرى، تأثير الغليان أسرع بكثير من تأثير التجميد.
لكن القصة لا تنتهي هناك، فحالما تغلي المياه فلدينا الآن جُزيئات مياه معزولة بحالة غازية لكن بظروف باردة جداً! قطرات البخار الصغيرة هذه تتجمّد مباشرةً وتصبح جزيئات بلورية مُتجمدة.
لقد رصدنا ذلك من قبل، ووفقاً لملاحظات رواد الفضاء عندما قاموا بالتخلص من بولهم خارج مركبتهم الفضائية. عندما قاموا بالتبول خلال مدة مهمتهم في الفضاء وتخلصوا من بولهم إلى الفضاء يغلي بعنف. تحوّل البخار مباشرةً إلى الحالة الصلبة (تعرف هذه العملية بنقيض التصعّد) وبالنهاية نحصل على سحابة من بلورات دقيقة جداً من البول المتجمّد.
ألن يكون رائعا أن نرى ذلك بشكل مباشر؟ في الواقع لقد تم ذلك بشكل جزئي على الأرض! ماذا سيحدث لو أخذت مياها تغلي ورميتها في الهواء في طقس بارد جداً؟ يتوقف الماء عن الغليان ويصبح غازا (في عملية معاكسة للتصعد) وينتج جزيئات بلورية (أو التي نعرفها عامةً باسم الثلج) وهذا ما يحدث للمياه في الفضاء.
فيديو لبخار ماء يتحول الى ثلج