انفجار أشعة جاما هو النوع الأقوى من الانفجارات المعروفة في الكون؛ ووفقاً لباحثين فإنه قد يكون سببًا في الانقراض الجماعي الذي حصل خلال المليار سنة الماضية.
ويضيف العلماء، أن هذه الانفجارات القاتلة من الممكن أن تساعد في تفسير ما يسمّى بـ "مفارقة فيرمي - Fermi paradox"، أي التناقض الواضح ظاهرًا بين الاحتمال الكبير لوجود فرص عالية من وجود الحياة الغريبة وفي نفس الوقت عدم وجود أدلّة على ذلك .
انفجارات أشعة جاما هي انفجارات قصيرة الأمد، وشديدة جداً وذات موجات كهرومغناطيسية بتردد عالي؛ ويُمكن أن تُنتج هذه الانفجارات طاقة مساوية للطاقة التي تنتجها الشمس على طوال العشرة مليارات عام التي ستحياها، في أي مكان تحصل فيه وخلال فترة من الزمن تمتد من الميلي ثواني إلى الدقائق. يعتقد العلماء أن انفجار أشعة جاما ربما يكون ناجماً عن انفجار لنجوم عملاقة ضمن حدث يُعرف بالهيبرنوفا (hypernovas)، أو عن طريق اصطدام أزواج النجوم الميتة - التي يُطلق عليها اسم النجوم النيوترونية.
إذا ما انفجرت أشعة جاما داخل مجرة درب التبانة، وكانت باتجاه كوكب الأرض، فمن الممكن أن تتسبب بخراب غير اعتيادي حتى ولو كانت على بعد آلاف السنوات الضوئية فقط ، وعلى الرغم من أن أشعة جاما لا يمكنها اختراق الغلاف الجوي للأرض بسهولة، إلا أنها كافية لحرق الأرض و هذه الأشعة تُضر الغلاف الجوي وتستنزف طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة الي يمكن أن تؤدي للانقراض الجماعي؛ ومن الممكن أيضًا أن يُنتج انفجار أشعة جاما أشعة كونية -وهي جسيمات ذات طاقة عالية قد تخلق تجربة مشابهة للانفجار النووي في المناطق والتي تواجه الانفجار- مما يُسبب أمراضًا بسبب الاشعاعات.
ولمعرفة التهديد العملاق الذي يُحتمل أن يُشكله انفجار أشعة غاما على الأرض، تحقق الباحثون من مدى الأضرار المحتملة التي يمكن أن تُلحقها هذه الانفجارات على الكوكب في الماضي.
تنقسم انفجارات أشعة جاما إلى مجموعتين في العادة ( قصيرة وطويلة )؛ ويعتمد ذلك على إذا ما كان الانفجار يستمر لأكثر أو أقل من ثانيتين؛ وترتبط انفجارات أشعة جاما الطويلة بموت النجوم الضخمة، في حين تنجم الانفجارات القصيرة عادةً عن اندماج النجوم النيوترونية.
بالنسبة للجزء الأكبر، فإن انفجارات أشعة جاما الطويلة تحدث في مجرات مختلفة جدًا عن درب التبانة – المجرات القزمة التي تنخفض فيها كمية العناصر الأثقل من الهيدروجين والهليوم؛ ويقول الباحثون بأن انفجار أشعة جاما طويل الأمد في مجرة درب التبانة يُمكن أن يحدث في المناطق التي تكون نسب العناصر الأثقل من الهليوم والهيدروجين منخفضة فيها.
وجد العلماء أن انفجارات أشعة جاما الطويلة ربما تسببت في الانقراض الجماعي على الأرض بنسبة 50% خلال الخمسمائة مليون سنة الماضية، و60% خلال المليار سنة الماضية، وأكثر من 90% خلال الخمسة مليارات السنة الماضية -وعلى سبيل المقارنة، يبلغ عمر نظامنا الشمسي حوالي 4.6 مليار سنة.
في العادة، تحدث انفجارات أشعة جاما القصيرة بتردد أعلى بخمس مرات من تلك الطويلة؛ ومع ذلك، فإن الإنفجارات القصيرة أضعف من الطويلة ولا تشكل إلا تهديدًا ضئيلًا للحياة على الأرض؛ كما أن انفجارات أشعة جاما التي تحصل خارج مجرة درب التبانة لا تشكل تهديدًا على كوكب الأرض.
وتُشير هذه النتائج إلى أن انفجار أشعة جاما قريب ووحيد قد تسبب في واحد من أكبر خمسة انقراضات جماعية على الأرض، مثل انقراض أوردوفيكي (Ordovician extinction) الذي وقع قبل 440 مليون سنة -كان انقراض أوردوفيكي الأول بين ما يُعرف بـ " أحداث الانقراضات الخمس الكبرى".
ويعتقد العديد من المراقبين الفلكيين أن أوردوفيكي هو ثاني أكبر انقراض جماعي؛ وفي الدراسة تحقق العلماء أيضاً من أن انفجارات جاما قد تشكّل خطرًا على الحياة في أماكن أخرى من مجرة درب التبانة؛ إذ تتواجد النجوم بكثافة كلما اقتربنا من مركز المجرة، وهذا يعني أن العوالم الموجودة هناك تواجه خطراً أكبر من حيث التعرض لانفجارات أشعة غاما. واجهت العوالم الموجودة على بعد حوالي 6500 سنة ضوئية من مركز مجرة درب التبانة، حيث تقع 25% من نجوم المجرة في تلك المنطقة، وبفرصة اكبر من 95% خطر انفجارات أشعة جاما القاتلة على مدار المليار سنة الماضية؛ ويُشير الباحثون أنه يُمكن للحياة، كما هي معروفة على وجه الأرض، النجاة على وجه اليقين فقط في ضواحي درب التبانة -أي على بعد أكثر من 32600 سنة ضوئية من مركز المجرة.
اكتشف الباحثون أيضاً أنه يُمكن لانفجارات أشعة جاما أن تشكل خطرًا على الكون ككل؛ واقترحوا أن الحياة، كما هي معروفة على الأرض، قد تتطور في 10% فقط من المجرات وتلك النسبة ناجمة عن انفجارات أشعة جاما؛ ويقترحون أيضًا أن حياةً واحدة فقط كتلك تطورت خلال الخمسة مليارات سنة الماضية.
وقبل ذلك، كانت المجرات أصغر حجمًا، وبالتالي فقد كانت انفجارات أشعة جاما دائمًا قريبة بما فيه الكفاية لتُسبب انقراضًا جماعيًا لأي كوكب يُحتمل أن يكون مأهولًا. وتقول مؤلفة الدراسة تسيفي بيران (Tsvi Piran) من الجامعة العبرية في القدس: "ربما يكون هذا تفسيرًا أو جزءًا من التفسير لمفارقة فيرمي أو ما يسمى بـ "الصمت الكبير". لماذا لم نواجه الحضارات المتقدمة حتى الآن؟ رغم أن مجرة درب التبانة أقدم بكثير من النظام الشمسي، وكان هناك متسع من الوقت والمساحة -وعدد الأنظمة الكوكبية مع ظروف مماثلة للظروف على الأرض ضخم –من أجل تطور الحياة في أماكن أخرى من المجرة. حسناً، لماذا لم نصادف حضارات متقدمة حتى الآن؟".
الجواب على مفارقة فيرمي هو أنه من الممكن أن تكون أشعة جاما قد ضربت العديد من الكواكب المأهولة؛ وتقول بيران لموقع لايف ساينس بأن أشد الانتقادات قوةً لهذه التقديرات هو: "أننا نحصر الحياة فقط وفقاً للصورة التي نعرفها لها على الأرض. يُمكن للمرء تصور الكثير من أشكال الحياة، والتي ربما تكون مقاومةً للإشعاعات المماثلة".