“TrueNorth” تحقق خطوات كبيرة باتجاه استخدام ذكاء الدماغ الصناعي للتقليل من استهلاك عمليّات الحساب للطاقة.
الشرائح ذات الهيكليّة العصبية تعني محاكاة الشبكة العصبية للدماغ البيولوجي، تراجعت هذه الشرائح بشكل عام أمام نظرائها بالكفاءة، وهي شرائح “wetware” وقد كانت العامل الحاسم الذي حدّ من التطبيقات العملية لمثل هذه الشرائح، إلا أن هذا يُمكن أن يتغيّر. بكثافة طاقة تعادل 20 ميللي واط للسنتيميتر المربّع، أتت شرائح IBM الجديدة المستوحاة من الدماغ لتصبح قريبة من كفاءة شرائح “wetware”. ويبقى الأمل متمثلاً بالحصول على ذكاءٍ يُشابه عقل البشر للحساسات في الهواتف الذكيّة، السيارات الذكيّة وإذا أرادت IBM كل شيء آخر.
شريحة التّشابك العصبي “neurosynaptic” الأحدث من IBM تُدعى “TrueNorth”، وهي تتألف من مليون خليّة عصبيّة قابلة للبرمجة و 256 مليون مشبك لنقل الإشارات بين الخلايا العصبية الرّقمية. كل من الـ 4,096 نواة للتشابك العصبي تتضمّن كامل حُزمة الحوسبة: الذاكرة، حاسبات و أجهزة الاتصالات. مثل هذه البُنية تساعد على تجاوز عنق الزجاجة في حوسبة فون نيومان التقليدية حيث تعليمات البرامج وبيانات التشغيل لا يمكن أن تمر عبر نفس الطريق في نفس الوقت.
“حرفياً، هذا حاسوب خارق بحجم طابع بريد، خفيف كريشة وبطاقةٍ مُنخفضة كجهاز مساعد على السمع”. يقول دارمندرا مودا –شريك في IBM ومن كبار العلماء في الحوسبة المستوحاة من الدماغ في مركز أبحاث IBM .
شرائح كهذه تستطيع محاكاة قدرة الدماغ البشري على تمييز الأشياء المختلفة في الوقت الصحيح، شريحة “TrueNorh” أظهرت أنّها تستطيع تمييز بين المشاة، الدرّاجات الهوائيّة، السيارات والشاحنات. شددت IBM على أن تعمل شرائحها الجديدة مع الحواسيب التقليدية كما الآلات الهجينة، لتُقدّم لنا جرعة من الذكاء المُشابه لعقل البشر. بنية الشريحة طوّرت بالتعاون بين IBM وجامعة كورنيل، وأوّل ما كُشف عن تفاصيلها كان في شهر آب في مجلّة “Science”.
“التّوقّعات المُبهرة لـ”TrueNorth” هي كثافة التّكامل، مليون خليّة عصبية على شريحةٍ واحدة، واستخدام طاقة قليل جدّاً لهذا العدد الكبير من الخلايا العصبية”. يقول ستيف فوربر، بروفيسور في هندسة الحواسيب في جامعة مانشستر في إنجلترا، والذي كان وراء الجهود المحوسبة.
مع ما مجموعه 5.4 مليون ترانزستور، تُعتبر هذه الشريحة واحدة من أضخم الشرائح من نوع CMOS التي تمّ بناؤها حتى الآن. ومع هذا فإنّها تستخدم فقط 70 ميلي واط في العمليّات وتمتلك كثافة طاقة حوالي 1 على عشرة آلاف من معظم المعالجات الصغريّة الأخرى. هذا يقرّب هندسة الهيكلة العصبية إلى الكفاءة الرائعة للعقل البشري وبحجم فاكهة الغريفون وتستهلك فقط 20 واط.
قامت IBM بتخفيض استهلاك الطاقة بعدّة طرق. أوّلاً، قايضت ساعة المعالج التّقليديّة – تستخدم لتشغيل وتنسيق العمليات الحسابية – بمفهوم بيولوجي يُسمى الحوسبة المقادة بالأحداث. الخلايا العصبية الرّقمية يُمكن أن تعمل معاً بشكل غير متزامن من دون وجود الساعة حيث تستجيب لتموّجات مُنفردة والتي هي خرج من الخلايا العصبية الحقيقية والسيليكونية.
أيضا قامت IBM بحفظ الطاقة من خلال تصميم شبكة على الشريحة والتي تصل كل أنوية المشابك عوضاً عن استخدام طاقة إضافية للتواصل مع الذواكر خارج الرّقاقة. وفي النّهاية صُنعت الرّقاقة باستخدام تقنيات المعالجة لصنع معالجات للهواتف المحمولة منخفضة الطّاقة.
إحدى ميّزات التشابه مع الدّماغ التي لم تحاكيها IBM في سبيل تخفيض استهلاك الطاقة هو جعل عصبونات الشريحة تماثليّة عوضاً عن جعلها رقميّة “Digital”. هذا القرار قاد إلى عدّة ميّزات:
أوّلا: استطاعت IBM التخّلص من مشكلة الاختلافات الطفيفة في عمليّة التصنيع أو التّقلبات في درجات الحرارة والتي لها تأثير كبير على الدارات التماثلية.
ثانيا: الافتقار إلى الدارات التّماثليّة سمح لفريق IBM بأن يُقلص حجم العتاد بشكل كبير. العديد من شرائح الهيكليّة العصبية التجريبية لا تزال تستخدم الدّارات التّماثليّة والتي تبعاً لقانون مور ما تزال على بعد أكثر من عقد من المعالجات المُستخدمة حاليّا. يشرح لنا فوربر على سبيل المقارنة، أنّ IBM صنعت شريحتها باستخدام تقنية المعالجة 28-نانومتر الخاصة بسامسونغ والتي تستخدم لصنع الشرائح للهوتف المحمولة في يومنا هذا.
وفي النهاية: فإنّ التصميم الرقمي سمح للعتاد الخاص بـ TrueNorth أن يُصبح معادل وظيفيّاً للبرمجيات، وهو عامل هام سمح لفريق IBM أن يبني برمجيّات TrueNorth على محاكي قبل الشريحة بحد ذاتها.
هذه الشريحة تُمثّل تتويج لعقد من البحوث الخاصّة بالباحث مودها، وما يُقارب من ستة سنوات من التمويل من وكالة مشروع بحوث الدّفاع المتقدمة الأمريكية أو “DARPA”. تابع العالم مودها قيادة فريق DARPA على مشروع “SyNAPSE”، وقد أنفقت جهود دولية مئة مليون دولار أمريكي منذ عام 2008 لصنع حواسيب يُمكنها التّعلّم. “هدفنا على المستوى البعيد هو بناء (دماغ في صنوف) مع 100 بليون نقطة اشتباك عصبي وباستهلاك طاقة 1 كيلو واط”. كما يقول مودها.
ولكن الهدف من الدّماغ مُختلف عن أهداف المشاريع الأخرى والمشابهة. تمّ تصميم الدّارات الرقمية في TrueNorth لتطبيقاتٍ تجاريّة. المشاريع الأخرى هدفها معرفة طريقة عمل الدّماغ.
تستخدم “SpiNNaker” – شبكة عصبونية مبنية على الدارات الإلكترونية – نظام حوسبة تفرعي عام الأغراض، وهو يقوم بضبط تشغيل الخلايا العصبية المبنية اعتماداً على العتاد الصلب بدلاً من البرمجيات. فريق “SpiNNaker” والذي ينوي قريباً محاكاة 100 مليون خليّة عصبيّة مُستخدماً مئة ألف شريحة، ضحّى بكفاءة العتاد في سبيل الحصول على مرونة البرمجيّات. ” إنّ هدفنا الابتدائي هو فهم البيولوجيا، لهذا فإنّ المرونة مهمّة لفهم الدّماغ البيولوجي”. يقول فوربر، ويتابع توضيحه :” للتركيز على التطبيقات، فإنّ الكفاءة والكثافة لشريحة IBM ممكن أن تكون أكثر أهميّة من المرونة التي أبقوا عليها”.