الأحد، 17 مايو 2015

قطعة فنية من أجل الغد: الساعة الذرية للفضاء السحيق

ساعة الفضاء السحيق الذرية . حقوق الصورة: NASA/JPL


يُقال أن "التوقيت هو كل شيء". في القرن الحادي والعشرين، يُعتبر استكشاف الفضاء أمراً شديد الأهمية، حيث ستبحر السفن الفضائية بشكل خاص إلى وجهات بعيدة، بما في ذلك المريخ وحتى إلى أماكن أبعد كقمر المشتري "يوروبا"؛ وتُحرز وكالة ناسا تقدم هائل في مجال تطوير الساعة الذرية للفضاء السحيق، والتي تُعرف اختصاراً بـ "DSAC ".

يجري ضبط وتصغير حجم (DSAC) وإعدادها للطيران، وتعتبر الساعة الذرية فائقة الدقة؛ فهي مصنوعة من الزئبق الأيوني الأكثر استقرار، كما أنها من أفضل الساعات الملاحية الموجودة اليوم. ومن المقرر أن تُرسل إلى الفضاء في عام 2016، وستقضي DSAC فترة تبلغ حوالي العام؛ مؤديةً العديد من الاختبارات بهدف تطوير التكنولوجيا للانتقال إلى مستوى جديد من النضوج من أجل احتمالية اعتمادها من قبل المهمات الأخرى.

 الاستقرار في الفضاء

تُمثل مهمة DSAC القادمة الجيل التالي من العلم الراديوي للفضاء السحيق. قد يبدو ذلك مملاً للوهلة الأولى، ولكن ها هو نداء اليقظة ينبع من ذلك العمل على القطعة الفنية الفريدة ليوم غد.

صورة للقمر الصناعي التابع للقوات الجوية الأمريكية والذي سيحمل على متنه الساعة الذرية.
حقوق الصورة: NASA/JPL


للمرة الأولي، ستكون الساعة الذرية للفضاء السحيق "مستقرة" أكثر من أي ساعة ذرية تطفو في الفضاء، فضلاً عن أنها أصغر وأقل وزناً. ويعني الاستقرار هنا إلى أي مدى تتطابق كل دقْة من الساعة مع زمن كل الدقات الأخرى.

تُعتبر DSAC مهمة جداً، من أجل البرهنة على قدرة تكنولوجيا "التحول في النموذج" لعرض كيفية التنقل بالمركبة الفضائية على نحوٍ أفضل، وجمع بيانات أكثر دقة وتعزز قدرة المركبة الفضائية على التوقف في الوقت المناسب بدقة أكبر ضمن مدار الأرض أو ضمن أي مدار آخر. يُشرف على مشروع DSAC مديرية تكنولوجيا الفضاء التابعة لناسا، ويُدير العملية مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا.

وحدة التحقق من جهوزية الطيران

تم تجميع وحدة التحقق من جهوزية الطيران DSAC في مختبر الدفع النفاث (JPL). ويجري حالياً الانتهاء من الاختبارات البيئية، وتحسين الأداء وغيرها من الأنشطة.

وفي مختبر الإعداد، تم صقل DSAC، حتى لا يحدث "انحراف" بأكثر من 1 نانوثانية خلال عشرة أيام -يحصل هذا الانحراف عندما لا تتطابق الساعة بالضبط مع الساعات الأخرى.

يقول تود إيلي (Todd Ely)، التقني الرئيسي في مهمة DSAC التكنولوجية الثورية: "واجهنا عند نقل هذه التكنولوجيا من المختبر -حيث البيئة أكثر استقراراً- وإطلاقها إلى الفضاء -حيث هنالك الكثير من المتغيرات- بعض التحديات الفريدة في تصميم DSAC".

فعلى سبيل المثال، أشار إيلي إلى أن درجات الحرارة في المدار تختلف يومياً وفصلياً. فإذا لم تُؤخذ بعين الاعتبار، فبإمكانها التأثير على عمل الساعة. هنالك أيضاً الأحمال الثقالية (gravitational loads) المُركزة على الأداة خلال عملية الإطلاق، فقد تصل إلى (14g) أي 14 ضعف قوة الجاذبية الأرضية. وقد تؤدي هذه الضغوطات إلى إجهاد بنية (هيكل) الساعة، ويجب أيضاً أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تصميم DSAC. ويضيف إيلي: "هذه ليست سوى اثنين من العوامل التي أدت إلى متانة DSAC".

الاختبار المداري

ستُستضاف وحدة DSAC الثورية والحمولة على المركبة الفضائية، التي تؤمنها تكنولوجيا سوري للأقمار الصناعية (Surrey Satellite Technologies) في انغلوود-كولورادو، وستُطلق نحو الفضاء على متن الصاروخ "سبيس إكس فالكون 9" المعزز الثقيل، كجزء من "برنامج اختبار الفضاء" (STP) للسلاح الجو الأمريكي. 

وسيتم تشغيل حمولة DSAC لفترة عام كامل لإثبات جدارتها، وأدائها وأهميتها للملاحة في إتجاه واحد. وستسخدم الساعة إشارات قادمة من أقمار (gps) الصناعية لإظهار دقتها في تحديد المدار وتأكيد أدائها. 

حالما تصبح DSAC في المدار، ما هي الخطوات لتجارب ناجحة؟ 
يجيب إيلي: "تتألف تجاربنا في المدار من عدة مراحل، وستبدأ بالتكليف حيث يتم تشغيل الساعة ووضعها في مسار التشغيل الطبيعي. بعدها سنمضي الشهور القليلة الأولى في تأكيد وتحديث فرضيات نماذجنا، حيث سنستخدمها لإثبات الأداء الفضائي للساعة"، ويضيف قائلاً: "مع هذه التحديثات وبيانات المشاهدة، سنمضي الشهور القليلة القادمة بتحديد أداء DSAC ضمن معايير زمنية مختلفة، من ثوانٍ إلى أيام".

غزو المستقبل

يقول إيلي: "انطلاقاً من تلك النقطة، سينتقل فريق DSAC إلى وضع أقل حدة، وهو وضع مراقبة وقياس الساعة عن بعد. وباستخدام تلك البيانات ستتمكن وحدات التحكم الأرضية من تمييز احتمالية عمل الساعة الذرية لفترات التشغيل الطويلة". 

ويضيف إيلي: "ستكون هذه البيانات بالغة الأهمية للجيل القادم من DSAC، فمن الضروري أن يكون عمر الساعة لأغراض الفضاء السحيق هو عدة سنوات"، ويضيف أيضاً: "أما رحلة DSAC في 2016، فستحدد المسار الذي سيؤثر فيه تصميم وحدة التشغيل في المستقبل، لتكون أصغر وأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة. في الواقع، تُمثل DSAC تكنولوجيا مثالية لاستكشاف الفضاء السحيق. وإحدى التطبيقات المستقبلية لـ (DSAC) يتضمن تقليل السرعة الهوائية (aerobrake) بدقة للمركبة الفضائية المتجهة للمريخ وذلك أثناء دخولها إلى الغلاف الجوي للكوكب الأحمر".

تكنولوجيا التحول

قد تساعد (DSAC) أيضاً في تأكيد وجود محيطات سائلة تحت سطح قمر المشتري "يوروبا"، فأي محيطات سائلة أو متجمدة على ذلك القمر الغامض ستتأثر بالجار الضخم "المشتري". وقد تساعد تكنولوجيا DSAC في الحصول على تقديرات عالمية بشأن المحيطات ما تحت السطحية. ويقول إيلي: "يُعد تقدير الموجات الثقالية في يوروبا مثالاً حي على استخدام بيانات تتبع DSAC لفهم علوم جاذبية ذلك القمر". 

وينهي إيلي حديثه: "أتاحت DSAC إشارات عالية الجوده وذات إتجاه واحد من أجل الملاحة في الفضاء السحيق وعلوم الراديو. والآن، نستطيع تعزيز علوم الراديو المتعلقة بيوروبا، والمريخ والأجسام السماوية الأخرى. لدى DSAC القدرة على تحويل النموذج التقليدي الراديوي وذو الاتجاهين للتعقب في الفضاء السحيق إلى تعقب مرن وفعال وأحادي الاتجاه وبعد كل ذلك قابل للتوسيع". 

المصدر
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: