احتمالية وجود عوالم أخرى غير عالمنا فكرة تثير الحيرة، وقد تبدو مستحيلة الاختبار. لكن الآن، اقترحت مجموعة من الفيزيائيين بأن مصادم الهادرونات الكبير (Large Hadron Collider) أو اختصاراً (LHC)، وهو أكبر مصادم للجزيئات في العالم، قد يكون قادراً على كشف الأكوان الموازية، في حالة وجودهم في الحقيقة.
في دراسة جديدة نُشرت في (Physics Letters B) شرح أحمد فرج علي (Ahmed Farag Ali) ومير فيصل (Mir Faizal) ومحمد م. خليل (Mohammed M. Khalil) أن المفتاح لاكتشاف الأكوان الموازية ربما يأتي من كشف ثقوب سوداء صغيرة عند مستوى معين للطاقة. قد يدل اكتشاف الثقوب السوداء الصغيرة على وجود أبعاد إضافية، مما يدعم نظرية الأوتار (string theory) والنماذج المرتبطة بها، والتي تتنبأ بوجود أبعاد أخرى بالإضافة إلى أكوان موازية.
قال فيصل لـ Phys.org: ''عادة عندما يفكر الناس بالأكوان المتعددة، فإنهم يفكرون بتفسير العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم، حيث أنه من الممكن التأكد من كل الاحتمالات"، ويضيف: "لا يمكن اختبار هذا الأمر، ولذلك فهو فلسفة وليس علم. وليس هذا ما نعنيه بالأكوان المتوازية. ما نعنيه هو وجود أكوان حقيقية في أبعاد إضافية، حيث يمكن للجاذبية أن تتدفق خارج كوننا إلى أبعاد أخرى. يمكن تجربة نموذج كهذا عبر اكتشاف ثقوب سوداء في مصادم الهادرونات الكبير. قمنا بحساب الطاقة التي نتوقع عندها اكتشاف تلك الثقوب السوداء الصغيرة في قوس قزح الجاذبية (gravity’s rainbow) وهي من النظريات الحديثة. ففي حال اكتشافنا ثقوب سوداء صغيرة عند هذه الطاقة، فإننا سنعلم أن كلا النظريتين صحيحتين: قوس قزح الجاذبية والأبعاد الإضافية".
البحث مستمر :
من نواحي عديدة، إن هذه الفكرة ليست بالجديدة، حيث حاول مصادم الهادرونات الكبير كشف ثقوب سوداء صغيرة، إلا أنه لم ينجح في ذلك. هذا ما يمكن توقعه في حالة وجود أربعة أبعاد فقط، لكون الطاقة المطلوبة لإنتاج ثقب أسود في 4 أبعاد ستكون أكبر بكثير (10^19 جيجا الكترون فولت) من الطاقة الممكن تقديمها في مصادم الهادرونات الكبير (14 تيرا إلكترون فولت).
لكن في حال وجود أبعاد إضافية، فيُعتقد بأنهم سيُقللون الطاقة المطلوبة لإنتاج ثقوب سوداء إلى مستويات يستطيع LHC تحقيقها. كما فسر فيصل، فإن هذا يحدث بسبب إمكانية تدفق الجاذبية في كوننا إلى أبعاد أخرى. بما أن LHC لم يستطع كشف الثقوب السوداء الصغيرة حتى الآن، يبدو أن الأبعاد الإضافية غير موجودة، أو على الأقل ليس بمقياس الطاقة الذي تم اختباره. بالإضافة لذلك، فإن النتائج لا تدعم نظريتي الأوتار والعوالم الموازية.
قدم علي وفيصل وخليل في بحثهم تفسيراً آخر للسبب الذي منع من كشف الثقوب السوداء في مصادم الهادرونات الكبير، حيث أنهم اقترحوا كون نموذج الجاذبية الحالي الذي استُخدم للتنبؤ بمستوى الطاقة قصد إنتاج ثقب أسود لم يكن دقيقاً، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الكمية.
طبقاً لنظرية أينشتاين للنسبية العامة، يمكن اعتبار الجاذبية كانحناء للزمان والمكان. ومع ذلك، فإن العلماء يوضحون هنا أن الاعتبار الهندسي للزمان والمكان هو المسؤول عن التشوّه الثقالي عند مقياس بلانك. لذلك استخدموا النظرية الجديدة "قوس قزح الجاذبية" لتفسير هذا التعديل للشكل الهندسي للزمان والمكان بالقرب من مقياس بلانك، حيث يُتنبأ فيه وجود الثقوب السوداء الصغيرة.
باستخدام قوس قزح الجاذبية، وجد العلماء أنه من اللازم زيادة الطاقة قليلاً لإنتاج ثقب أسود صغير في مصادم الهادرونات الكبير. حتى الآن، بحث LHC عن ثقوب سوداء صغيرة في مستويات طاقة أقل من 5.3 تيرا إلكترون فولت. طبقاً لنظرية قوس قزح الجاذبية، هذه الطاقة قليلة جداً. بالمقابل، يقترح النموذج أن الثقوب السوداء قد تتشكل في مستويات طاقة تساوي 9.5 تيرا إلكترون فولت لـ 6 أبعاد، و11.9 تيرا إلكترون فولت لـ 10 أبعاد. بما أن LHC صُمم للوصول إلى 14 تيرا إلكترون فولت في استخداماته المستقبلية، يمكن الوصول إلى متطلبات الطاقة هذه لإنتاج ثقوب سوداء.
تفسيرات عديدة :
إذا تم كشف الثقوب السوداء بواسطة LHC، فإن ذلك سيدعم مجموعة من الأفكار: العوالم المتوازية، والأبعاد الإضافية، ونظرية الأوتار، وقوس قزح الجاذبية –مع وجود تبعات خاصة بالجاذبية الكمية لآخر فكرتين. ومن الواضح أن النتائج الإيجابية ستدعم بالتأكيد وجود الثقوب السوداء الصغيرة.
قال علي: "إذا كُشف عن الثقوب السوداء في LHC ضمن المستويات المتوقعة للطاقة، فهذا الأمر لن يثبت وجود الأبعاد الإضافية -وبالتالي العوالم المتوازية الإضافية- فحسب، بل إنه سيحل المفارقة المشهورة الخاصة بالثقوب السوداء". من الممكن حل المفارقة، لأنه طبقاً لنموذج قوس قزح الجاذبية، تمتلك الثقوب السوداء الصغيرة أقل قطر ممكن، والذي يحدّها من التقلص بعده.
في المقابل، إذا لم يُكشف عن الثقوبٍ السوداء، سيحتاج العلماء إلى إعادة النظر في فهمهم لهذه الأفكار.
يشرح خليل ذلك قائلاً: "في حال لم يتم الكشف عن الثقوب السوداء في المستويات المتوقعة للطاقة، سيستلزم الأمر واحداً من ثلاثة احتمالات"، ويضيف: "أولاً، لا وجود للأبعاد الإضافية. أو ثانياً، هذه الأبعاد موجودة لكنها أصغر من المتوقع. أو ثالثاً، تحتاج بارمترات قوس قزح الجاذبية إلى تعديل".
في عالم الفيزياء النظرية لا يوجد تفسير واحد أبداً، وهو الأمر الذي ينطبق على هذه القضية. استخدم ريمو جاراتيني (Remo Garattini)، بروفيسور الفيزياء في جامعة بيرغامو، قوس قزح الجاذبية في عمله لتنظيم تشعب الأشعة فوق البنفسجية (regulating ultraviolet divergences) مما ناقض نماذج الجاذبية الكمية (models of quantum gravity). بالرغم من تعاطفه مع العديد من أفكار نظرية قوس قزح الجاذبية، فإنه وضّح بأن البحث الحالي يعتمد على اقتراح وحيد، والذي يستخدم معادلة لا تلغي وجود التشعب، ويوضح ذلك فيقول: "أظن أن البحث مثير للاهتمام، لكن يجب علينا توخي الحذر في استقراء النتائج العالمية عبر استخدام اقتراح وحيد للدوال الرياضية (functions) لنظرية قوس قزح".
امتداداً لهذه الكلمات حذر جواو ماغويجو، وهو بروفيسور الفيزياء في جامعة أمبيرال في لندن، أن تفاصيل النظرية هي التي ستحدد نجاحها من فشلها. وعند هذه المرحلة المبكرة، يصعب معرفة ما ستؤول عليه هذه التفاصيل.
يقول ماغويجو: "العمل مشوّق، لكن كباقي تطبيقات جاذبية قوس قزح، فإنها تعتمد بشكل أساسي على الدوال الحرة المختارة للنظرية"، ويتابع: "ومع ذلك، فإني أظن أن هذا العمل سيشكّل خطوة ثمينة لتحديد هذه الدوال الحرة".