الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

معلومة فيزيائية :- المادة المضادة (antimatter)






كثيراً ما تساءلنا : هل يوجد حقاً ما يُسمى بالمادة المضادة ؟ وإن وُجدت فما هي طبيعة المادة المضادة؟ وكيف تم اكتشافها لاول مرة ؟ وما الذي ينتج عند تفاعل المادة مع المادة المُضادة ؟ وهل هناك بالفعل كونٌ مُضاد؟
لننتقل إلى السطور القليلة التالية لكي نحاول الإجابة عن بعض الأسئلة السابقة.



أولاً، ما هي المادة المُضادة ؟
بحسب علم فيزياء الجُسيمات، تتكون المادة المضادة من جُسيماتٍ مُضادة (anti particles). ولو اكتفينا بالتعريف السابق، لما حصلنا على أية معلومة مفيدة..صحيح؟ والتعريف السابق يفرض علينا أن نحدد ما هي الجسيمات المضادة، وهو ما سنقوم به.

دعونا نقوم برحلةٍ صغيرة لمُستوى الذرة لاسترجاع بعض المعلومات:
نحن بالطبع نعلم أن الذرة نفسها تتكون من نواةٍ مركزية والكترونات مُحيطة بها (سحابة إلكترونية من أجل الدقة). والنواة الذرية نفسها تتكون من نوعين من الجُسيمات هما البروتونات والنيترونات، والسحابة الإلكترونية تتكون من الإلكترونات، وكل نمط من هذه الجُسيمات يمتلك خواصاً فيزيائية مُعينة أهمها : الكتلة والشحنة. وعلى الرّغم من أنّ الكتلة خاصية ثابتة فإنّ الشحنة قد تأخذ أحد نَمطين: إما أن تكون ذات قيمة موجبة أو سالبة :فالبروتونات مثلاً تمتلك شحنة موجبة في حين امتلاك الإلكترونات لشحنة سالبة بينما النيترونات مُتعادلة كهربائياً أي أنها لا تمتلك شحنة كهربية.

الآن نستطيع أن نعود لجسيمات المادة المضادة، فهي عبارة عن جُسيماتٍ مُشابهة تماماً في كل خواصها الفيزيائية للجُسيمات المادية، باستثناء إشارة الشحنة الكهربائية. وبما أنه لكل جُسيم هنالك جسيم مضاد، فإن مضاد الإلكترون يتشابه تماماً مع الإلكترون بكل خواصه، باستثناء أنه ذو شحنةٍ موجبة، ومُضاد البروتون يتشابه معه بكافة خواصه الفيزيائية باستثناء أنه سالب الشحنة، وهكذا.

أما بالنسبة لكيفية اكتشاف المادة المضادة فهي تعد من أجمل القصص في تاريخ علم الفيزياء. ففي البداية ظهرت المادة المضادة كنتيجة لمعادلة بول ديراك الشهيرة (نشرها عام 1928) التي قام فيها بتوصيف سلوك الإلكترونات عندما تكون التأثيرات النسبية فاعلة، أي عند سرعاتٍ قريبة جداً من سرعة الضوء، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الكمومية. ما قام به ديراك باختصار هو جمع التأثيرات الكمومية والنسبية ضمن معادلةٍ رياضية واحدة، وهو مالم يتمكن به أحدٌ من قبل. والفكرة أن المعادلة كانت تقبل حلين صحيحين: أحدهما يتوافق مع الإلكترونات، والآخر مع جسيماتٍ مماثلة لها تماماً ولكنها تختلف بإشارة الشحنة الكهربائية، وبالتالي، وبناءً على هذا الاستنتاج، تم التنبؤ بوجود نمطٍ جديد من الجسيمات المادية وهي جسيمات المادة المضادة. وفيما بعد، أعلن الفيزيائي الأمريكي كارل آندرسون عام 1932 عن تأكيد وجود الجُسيمات المضادة ضمن الأشعة الكونية، أثناء عمله في مختبرات معهد كاليفورنيا للتقانة CalTech .

أحد الخصائص الهامة المتعلقة بالجسيمات المضادة، هو أنه عند التقاء جسيم مادة بجسيم مادة مضادة سيؤدي لحدوث ظاهرة الفناء annihilation ويختفي كلا الجسيمين وتتحرر كمية من الطاقة. فمثلاً عند التقاء الإلكترون مع البوزيترون (مضاد الإلكترون ) فإنهما يفنيان معاً وتنطلق طاقة على شكل فوتونات أشعة جاما مقدارها 511 كيلو إلكترون فولت وتعد تلك الظاهرة إحدى الخواص الفيزيائية المُتعلقة بتفاعل المادة مع المادة المضادة.

وتماماً مثل جُسيمات المادة العادية التي ترتبط مع بعضها البعض لتشكيل البناء المادي، فإن قوانين الفيزياء لاتمنع أبداً أن تقوم جسيمات المادة المضادة بنفس الأمر: أي أن جسيمات المادة المضادة يمكنها أن تتجمع لتشكل ذراتٍ مضادة، وهذه الذرات يمكنها أن تتجمع لتكون عناصر كيميائية مضادة، وهكذا ربما حتى الحصول على كونٍ مضاد. وعلى الرّغم من ذلك، فإنه لايوجد أي دليل حتى الآن على وجود هذه "الذرات المضادة" وهذا "الكون المضاد"، بل أن المشاهدات الفلكية والكونية تشير إلى أن الأجسام الفلكية والكونية التي نشاهدها تتكون فعلياً من المادة العادية (الكون ككل يتكون من المادة المظلمة والطاقة المظلمة)، بينما يتم تسجيل وجود المادة المضادة عبر رصد الأشعة الكونية القادمة إلينا من الكون، والتي تحمل ضمنها البوزيترونات ومضادات البروتونات. وحتى ضمن المُختبرات الفيزيائية، لم يتمكن العلماء حتى الآن من تشكيل سوى مضاد ذرة الهيدروجين Anti-Hydrogen وذلك لأن عملية الحصول على جسيمات المادة المضادة ليست بالأمر السهل أبداً.

وبعيداً عن الكون الواسع ،فإن حوادث التفكك الإشعاعي تتضمن أيضاً إطلاق جسيمات المادة المضادة (التفكك الإشعاعي هو عملية انحلال نواة ذرية من تلقاء نفسها، حيث تتحول لنواة عنصر آخر ومطلقةً طاقة وجسيمات دون ذرية). على سبيل المثال، فإن التّفكك من نمط (β-) يتضمن إصدار مضاد النترينوهات Anti-Neutrino (النيوترينو جسيم دون ذري، يختلف عن النترينو الموجود بنواة الذرة)، كما أن التفكك من نمط (β+) يتضمن إصدار البوزيترونات.

فضلاً عن ذلك، فإنه يمكن أن يتم تشكيل المادة المضادة في البيئات ذوات درجات الحرارة المرتفعة، وعلى سبيل المثال، فإنه خلال الحقبة الباريونية من نشأة الكون وعندما كان لا يزال كثيفاً جداً وذو درجة حرارة مُرتفعة جداً، فإن جسيمات المادة وجسيمات المادة المضادة كانت تتشكل وتفنى بشكلٍ متواصلٍ ومُستمر.

ومما سبق يمكن استنتاج التالي : إذا كانت كمية كلاً من المادة والمادة المضادة متساويةً في الكون، فإن الكون نفسه قد لا يكون موجوداً ! لماذا؟ لأن التقاء المادة مع المادة المضادة سيؤدي لفنائهما وإطلاق الطاقة، وبالتالي فإن كمية متساوية من كل منهما ستؤدي إلى أنه لن يكون هنالك مادة كافية لتشكيل النجوم والكواكب والمجرات وكل شيء نعرفه.

وبالتالي فإن السؤال البديهيّ هو التالي: كيف ومتى تم كسر التناظر ما بين المادة والمادة المضادة ؟ ولماذا يوجد كمية مادة أكبر من كمية المادة المضادة في الكون؟

فلنكن صريحين مع أنفسنا، حالة انكسار التناظر هذه هي التي سمحت لنا بأن نكون موجودين أساساً، ولكنه لن يكون أمراً سيئاً إن عرفنا سبب انكسار التناظر هذا وما الذي أدّى لحدوثه. فعلياً، معرفتنا لسبب وكيفية حدوث انكسار التناظر بين المادة والمادة المضادة يعني فهم سبب وجودنا، وقدنكون بغير قصد نجاوب على سؤالٍ أكثر عمقاً : كيف وُجدنا؟

ألم نقل لكم أن الفيزياء قد تخبرنا يوما ما حقيقة وجودنا؟

المصدر : موقع الفيزيائيين
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: