الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

النّظرية النسبية ونظام التموضع العالمي GPS



يسألني الناس غالباً "ما هو الجيد في النّظرية النّسبية Relativity ؟" من الشائع أن نُفكر في النسبية باعتبارها نظرية رياضية مُجرّدة وغامضة للغاية، وليس لها أي نتائج على الحياة اليومية. وهذا في الواقع بعيدٌ جداً عن الحقيقة.


فكّر للحظةٍ بأنك تقود طائرة تجارية، فيقوم الطيّار والطاقم بنقلك إلى وجهتك بمساعدةٍ من نظام تموضع المواقع العالمي(GPS). بعيداً عن ذلك، العديد من السيارات الفاخرة تأتي الآن مع أنظمة ملاحة مُدمجة والتي تشمل أجهزة تموضع عالمية مُستقبلة مع خرائط رقمية، ويمكنك شراء أنظمة تحديد مواقع محمولة والتي ستحدد موقعك على الأرض (خط العرض، خط الطول، و الإرتفاع) بدقة من 5 إلى 10 أمتار و التي تزن بضعة أونصات وتكلّف حوالي 100 دولار.

تم تطوير نظام تحديد المواقع العالمي من قبل وزارة الدفاع الأمريكية لتوفير نظام ملاحة يستند على الأقمار الصناعية للجيش الأمريكي. وُضع النظام لاحقاً تحت إدارة وزارة الدفاع ووزارة النقل لتوفير إستخدامات الملاحة عسكرياً ومدنياً.

بتألف التكوين الحالي لأجهزة تحديد المواقع العالمية من شبكة من 24 قمر صناعي في مدارات عالية حول الأرض. كل قمر صناعي تابع لجهاز تموضع عالمي يدور بارتفاع حوالي 20،000 كيلومتر من الأرض، وتبلغ سرعته المدارية حوالي 14،000 كيلومتر في الساعة (الفترة المدارية هي 12 ساعة - على عكس الاعتقاد الشائع، مدارات الأقمار الصناعية التابعة لأجهزة التموضع العالمية ليست متزامنة مع الأرض ولا تدور بالنسبة إلى الأرض). يتم توزيع مدارات الأقمار الصناعية بحيث تكون 4 أقمار صناعية على الأقل واضحة من أي نقطة على الأرض في أية لحظة معينة (مع ما يصل إلى 12 قمر صناعي واضح في آنٍ واحد). كل قمر صناعي يحمل معه ساعة ذرية تتك بدقة في كل نانو ثانية واحدة (واحد من المليار من الثانية). جهاز استقبال التموضع العالمي الموجود في طائرة يقوم بتحديد موقعها ووجهتها عن طريق مقارنة إشارات التوقيت التي تستقبلها من عدد من الأقمار الصناعية لأجهزة التموضع العالمي (عادةً من 6 إلى 12 قمر صناعي) وتحديد مواقعها في الأماكن المُخصصة لكل قمر صناعي. الدقّة التي حُقّقت جديرة بالمحلاظة: فحتى جهاز إستقبال تموضع عالمي محمول بسيط بإمكانه تحديد موقعك بدقّة في غضون 5 إلى 10 أمتار فقط في بضع ثوانٍ (مع التّقنيات المختلفة التي تقارن بين اثنين من أجهزة الاستقبال القريبة، يتم الحصول على توضيحات السنتيمتر أو الميليمتر في الوضع النسبي في أقل من ساعة). جهاز استقبال التموضع العالمي في سيارةٍ يعطي قراءات دقيقة حول الموقع، السرعة، و الوجهة في التوقيت الحقيقي!

لكي يتم إنجاز هذا المستوى من الدقة، تكّات الساعة من الأقمار الصناعية التابعة لأجهزة التموضع العالمي يجب أن تكون بدّقة تتراوح ما بين 20 إلى 30 نانوثانية. ومع ذلك، ولأن الأقمار الصناعية تتحرّك باستمرارٍ نسبي للمُراقبين على الأرض، يجب أن تؤخذ الآثار التي تنبأت بها النظريات النّسبية الخاصة والعامة بالحسبان لتحقيق دقة الـ 20-30 نانوثانية المطلوبة، لأن المُراقب على الأرض يرى الأقمار الصناعية في حركتها قريبة له، فإن النّسبية الخاصة تتنبأ بأنه يجب أن نرى تكات الساعة أبطأ قليلاً. النّسبية الخاصة تتنبأ أن الساعات الذرية التي على أسطح الأقمار الصناعية يجب أن تتأخر على الساعات على الأرض بنحو 7 ميكرو ثانية في اليوم الواحد بسبب بطأ مُعدّل التكة نتيجة تأثير تمدد الوقت لحركتهم النسبية.

من ناحية أخرى، الأقمار الصناعية في مداراتها فوق الأرض، حيث انحناء الزمكان بسبب كتلة الأرض هو أقل مما هو عليه على سطح الأرض. تتنبأ النسبية العامة بأن الساعات الأقرب إلى الأجسام الضّخمة تتك بصورةٍ أبطأ من الساعات البعيدة. على هذا النحو، عند النظر من سطح الأرض، فإن الساعات على متن الأقمار الصناعية تظهر وكأنها تتك أسرع من الساعات على الأرض. عملية حسابية باستخدام النّسبية العامة تتنبأ بأن الساعات على متن كل قمر صناعي تتقدم على الساعات الأرضية بنحو 45 مايكرو ثانية في اليوم.

هذان المزيحان من التأثيرات النسبية يعني أن الساعات على متن كل قمر صناعي يجب أن تتك أسرع بحاولي 38 مايكرو ثانية في اليوم الواحد (45-7=38!) من الساعات المُتطابقة في الأرض. قد يبدوا هذا صغيراً، ولكن الدّقة العالية المطلوبة في أنظمة أجهزة التموضع العالمية تتطلب دقة على مستوى النانو ثانية، و38 مايكرو ثانية هي 38،000 نانوثانية. إذا لم تُؤخذ هذه التأثيرات بالحسبان، فإنّ أنظمة الملاحة التي تستند على مجموعة أجهزة التموضع العالمية ستكون كاذبة بعد دقيقتين فقط، والأخطاء في تحديد المواقع العالمية ستستمر بالتراكم بمعدل حوالي 10 كيلومترا كل يوم! وبذلك يصبح النّظام برمته في وقتٍ قصير لا قيمة له على الإطلاق للملاحة. هذا النوع من الخطأ التراكمي هو أقرب إلى قياس موقعي وأنا أقف يوما ما في شرفتي الأمامية في كولومبوس، أوهايو، ثم القيام بالقياس بعد أسبوع مع وجود جهاز استقبال الـ GPS مُبيناً لي بأني أنا وشرفتي على بعد 5000 متر في مكانٍ ما فوق مدينة ديترويت.

المهندسون الذين صمموا نظام الـ GPS أشملوه بالتّأثيرات النسبية عند تصميمه. على سبيل المثال، لمواجهة التأثير النسبي مرةً واحدةً عند المدار، فقد أبطأوا تكّات الساعات الذرية قبل أن يتم إطلاقها بحيث إن أصبحوا بمدارهم الصحيح في محطّاتهم فإن تلك الساعات ستتك بمُعدلٍ صحيح مقارنة بالساعات الذرية في المحطّات الأرضية. علاوةً على ذلك، تم بناء حواسيب صغيرة داخل أجهزة استقبال التموضع العالمية التي تقوم (بين أشياء أخرى) بتنفيذ الحسابات النّسبية اللازمة لتحديد موقع المُستخدم.

النسبية ليست فقط نظرية رياضية مجردة: فهمها ضروري للغاية في جعل نظام الملاحة العالمي يعمل بشكلٍ أصح!

المصدر
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: