معادلات النسبية العامة صعبة جداً إلى درجة لا يُمكن معها لشخص ما أن يعرف كيف ستبدو عملية التصادم بين ثقبين أسودين...حتى الآن الثقوب السوداء مناطق من الفضاء كثيفة جداً إلى درجة لا يُمكن معها حتى للضوء الإفلات منها. على أية حال، لطالما اعتقد الفلكيون بأن أحد أفضل الطرق من أجل دراسة هذه الأجسام الغريبة هو البحث عن التأثير الذي تُمارسه على حقل الضوء الموجود خلفها.
قدر الفلكيون أيضاً أن الثقوب السوداء يجب أن تحني وتشوه الفضاء بشكلٍ عنيف بحيث أن أي مجرات أو نجوم موجودة خلفها ستظهر مشوهة جداً -وهي ظاهرة تُعرف بالتعديس الثقالي (gravitational lensing).
لكن في الوقت الذي تمت فيه دراسة تأثيرات التعديس الثقالي الناجم
عن ثقب أسود وحيد منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أن الطريقة التي يقوم بها زوج من الثقوب السوداء بتشويه الفضاء لا يزال من الصعب جداً حسابها. في الواقع، فإنه في هذه الحالات تكون المعادلات معقدة جداً بحيث لا يُمكن حلها. بدلاً من ذلك، بدأ فيزيائيون فلكيون بمحاكاة سلوك أنظمة الثقوب السوداء الثنائية باستخدام حواسيب فائقة القدرة؛ وقاموا بذلك بشكلٍ رئيسي من أجل حساب الأمواج الثقالية التي يُجب أن تصدرها تلك الأجسام أثناء اتجاهها نحو بعضها البعض بشكلٍ حلزوني ومن اجل معرفة فيما إذا كانت تلك الأمواج كبيرة بدرجة كافية بحيث تتمكن مراصد الأمواج الثقالية من كشفها.
اليوم، يقول اندي بون (Andy Bohn) من جامعة كورنل في إيثاكا-نيويورك وبعض زملائه بأن نفس الحسابات تكشف أيضاً أن أزواج الثقوب
السوداء يجب أن تشوه حقل الضوء الموجود حولها. استخدام هؤلاء الرجال الحسابات من أجل البرهان على تأثيرات التعديس الثقالي التي يجب أن تُنتجها ثنائيات الثقوب السوداء للمرة الأولى.
هذا النهج موضح في المخطط التفصيلي. تخيل بون كاميرا تتجه نحو زوج
الثقوب السوداء مع وجود نمط هندسي مرسوم على الأفق في اللانهاية. إحدى الطرق من أجل تقدير تأثير زوج الثقوب السوداء هو حساب مسار كل فوتون يتحرك من النمط الموجود في الخلفية وانتقاء تلك التي تصل إلى الكاميرا. على أية حال، هذه الحسابات غير مجدية بسبب العدد الهائل للفوتونات الموجودة.
لذلك استعار بون وزميله تقنية من الرسومات الحاسوبية تُعرف بـ ray-casting؛ وبالاعتماد على هذه التقنية يحسبون مسار أشعة الضوء المنتشرة من الكاميرا نحو اللانهاية وكأننا نعود بالزمن إلى الوراء؛ وكل الأشعة التي ينتهي بها المطاف في الثقوب السوداء لا يُمكنها أن تمثل فوتونات فيزيائية حقيقية ولذلك لا بد وأنها ترتبط بالمناطق المظلمة من الصورة.
وبالطبع فإن الجزء الصعب من هذا العمل هو حساب مسار الفوتونات
باستخدام فيزياء النسبية العامة؛ فتلك المعادلات غير خطية ولذلك على الفيزيائي في بعض الأحيان تبسيطها عبر افتراض أن النظام يبقى ثابتاً خلال الزمن الذي يحتاجه الضوء للعبور بالقرب منه. وتكمن الصعوبة مع الانظمة الثنائية للثقوب السوداء في أن هذا الافتراض لا يصمد -تدور هذه الأجسام حول بعضها بسرعة كبيرة جداً مع اقترابها من بعضها بحيث ينحني الزمكان حتى أثناء الزمن الذي يحتاجه الضوء للعبور قربها.
مع ذلك، بدأت الحواسيب الفائقة الحديثة بترويض هذه المعادلات
الصعبة. فيبدأ بون وزميله بمحاكاة تأثير التعديس الثقالي لثقب أسود واحد وبعدها ينتقلان تدريجياً إلى الانظمة الثنائية.
تُولد الثقوب السوداء المفردة بعض التأثيرات المثيرة للإهتمام؛ فعلى سبيل المثال، فإن عملية جر الإطار، والتي يقوم الثقب الأسود خلالها بسحب نسيج المكان في اتجاه دورانه، تسمح للفوتون بالدوران حول الثقب الأسود في اتجاه جر الإطار ليصل إلى مسافة أقرب مقارنةً مع ذلك الذي يدور في الاتجاه المعاكس؛ وينتج عن هذا الأمر عدم تناظر في مفعول التعديس.
أنماط التعديس الناجمة عن الثقوب السوداء الثنائية أكثر إذهالاً بكثير؛ حيث تقوم بإنتاج مناطق ثقوب سوداء إضافية على شكل "حواجب" حيث يقوم فيه أحد الثقوب السوداء بممارسة مفعول التعديس على الثقب الأسود الآخر.
في الواقع، تمتلك هذه الميزات طابع كسري(fractal character) – حيث تكشف المشاهد القريبة عن حواجب أصغر بكثير؛ وهذا الأمر ناتج عن قيام الفوتونات القريبة من الثقوب السوداء بأخذ عدد متزايد من المدارات
الموجودة في النظام.
بحساب الطريقة التي يُمكن من خلالها لزوج الثقوب السوداء تشويه
الصورة الهندسية عند اللانهاية، تمكن الفريق من تطبيق التشوه نفسه على صورة درب التبانة؛ وكانت النتيجة نوعاً من التشوه ربما يُشاهده الفلكيون إذا كانوا قادرين على مشاهدة واحداً من تلك الأجسام بالدقة المطلوبة.
ويؤدي كل ذلك إلى ظهور سؤال مهم: كيف يُمكن أن يكون من المحتمل
مشاهدة هذه التأثيرات التعديسية من الأرض. يعتمد ذلك على المسافة وفقاً لبون وزميله؛ فقد استنتجوا أنه عند مسافات بعيدة جداً عن الأنظمة الثنائية، فإن هذه الأنظمة ربما تكون أكثر قابلية، أو أقل قابلية، للتميز عن الثقوب السوداء المفردة.
يقول بون بأن مهمة إيجاد مرشحين ربما يُعطون هذا النوع من التعديس
هو أحد الأهداف المستقبلية؛ ويُضيف "توليد صور عدسية لأنظمة اندماج ثقب أسود-نجم نيوتروني ونجم نيوتروني-نجم نيوتروني هي أحد أهداف الأبحاث المستقبلية".
يتطلب ذلك الامر بعضاً من الزمن؛ وفي الحقيقة قام الفلكيون برصد
التعديس الثقالي الناجم عن الأجسام فائقة الكتلة مثل العناقيد المجرية -لكن ذلك تمَّ فقط في حالات يكون فيها انحراف الضوء صغير.
ستكون المراقبات الأولى للانحرافات الأكبر بكثير، مثل تلك الناجمة
عن الثقوب السوداء أو ازواج الثقوب السوداء، انتصاراً عظيماً لمن يقوم بذلك أولاً
المصدر