سيساعد هذه الاكتشاف المهم علماء الفلك في الحصول على فهمٍ أفضل لأنظمة النجوم النيوترونية الثنائية وكيفية تشكلها وتطورها، والبولزارات هي عبارة عن نجوم نيوترونية تدور حول نفسها بسرعةٍ كبيرة جداً، وهي موجودة داخل بقايا نجوم فائقة الكتلة انفجرت على شكل سوبرنوفات (supernovas).
أثناء دوران البولزار، تنطلق إشعاعات مكونة من أمواج راديوية من أقطاب الحقل المغناطيسي القوي للبولزار، وتتحرك مسرعةً في الفضاء، وعندما تمر مثل هذه الأشعة بالأرض، تستطيع التلسكوبات الراديوية التقاط نبضة الأمواج الراديوية.
يقول جو سويغوم (Joe Swiggum)، وهو طالب متخرج من قسم الفيزياء وعلم الفلك من جامعة فيرجينيا الغربية في مورغانتاون والمؤلف الرئيسي للورقة العلمية التي ستُنشر في مجلة Astrophysical Journal: "تُعد البولزارات واحدةً من بين أكثر الأجسام تطرفاً في كوننا، ويوضح اكتشاف الطلاب أحد تلك الأجسام وهو موجودٌ في ظروفٍ فريدة حقاً".
يُوجد حوالي 10% من البولزارات المعروفة داخل أنظمة ثنائية (binary systems)، والقسم الأكبر منها اكتُشف وهو يدور حول قزم أبيض قديم (white dwarf). وكانت البولزارات المكتشفة وهي تدور حول نجوم نيوترونية أو نجوم السلسلة الرئيسية، مثل شمسنا، نادرة جداً، وسبب هذه الندرة ناجمٌ عن كون أنظمة النجوم النيوترونية الثنائية عبارة عن عملية تؤدي إلى تشكل البولزارات وكل النجوم النيوترونية.
عندما يُعاني نجم فائق الكتلة من انفجار على شكل سوبرنوفا في نهاية حياته العادية، هناك احتمال لأن يكون هذا الانفجار أحادي الجانب، ويُقدم بالتالي دفعةً للقلب النجمي المتبقي، وعندما يحصل ذلك، يُرسل النجم النيوتروني الناتج مسرعاً نحو الفضاء، وتعني تلك الدفعات، جنباً إلى جنب مع الفقدان الحاصل في الكتلة جراء انفجار السوبرنوفا، أن فرص بقاء مثل هذين النجمين المرتبطين ثقالياً داخل نظام نجمي ثنائي قليلة جداً.
كشفت بيانات من تلسكوب روبرت سي بيرد في غرين بانك الذي يبلغ قطره 100 متر عن إشارة تنبئ عن وجود نجم نابض غير معروف، حيث أنه يمتلك أكبر مدار حول نجمه النيوتروني المصاحب. المصدر: NRAO/AUI/NSF. |
اكتُشف هذا البولزار، الذي حصل على التسمية الرسمية PSR J1930-1852، في العام 2012 من قبل سيسيليا ماكوف (Cecilia McGough) التي كانت طالبة في مدرسة ستراسبورغ الثانوية في فيرجينيا في ذلك الوقت، ودو شانغ ري (De'Shang Ray)، الذي كان طالباً في مدرسة باول لورنس دونبار الثانوية في بالتيمور بميريلاند.
كان أولئك الطلاب مشاركين في ورشة عمل صيفية للبحث عن بولزارات، وهي ورشة موّلتها مؤسسة العلوم الوطنية كبرنامج للتوعية التعليمية، وتتضمن ذلك البرنامج طلاب المدارس الثانوية المهتمين في تحليل بيانات مسح البولزارات باستخدام تلسكوب غرين بانك.
صرف الطلاب أسابيع وأشهر في قراءة رسوم تلك البيانات، وفي البحث عن بصمة فريدة تُشير إلى بولزار ما، ودُعي أولئك الذين حددوا أجسام مرشحةً بقوة لتكون بولزارات إلى غرين بانك للعمل مع علماء الفلك للتأكد من اكتشافهم.
حدّد علماء الفلك أن هذا البولزار الجديد جزء من نظام نجمي ثنائي وذلك بالاعماد على الاختلافات الحاصلة في تردد دورانه حول نفسه بين فترة اكتشافه الأصلي والمراقبات التي جرت لاحقاً.
مع ذلك، لم تكشف عمليات المسح التلسكوبية البصرية لنفس المنطقة من السماء عن وجود مرافقٍ مرئي -وهو مرافق سيُشاهد بوضوح لو كان نجماً قزماً أبيضاً أو نجم سلسلة رئيسية. ويقول سويغوم: "بالنظر إلى عدم توفر إشارات مرئية ومراجعة حذرة لتوقيت البولزار، استنتجنا أنه من المرجح جداً أن يكون النجم المرافق عبارة عن نجم نيوتروني آخر".
وضح التحليل اللاحق لتوقيت البولزار أن النجمان النيوترونيان تفصل بينهما أكبر مسافة تمّ اكتشافها في نظامٍ نجمي ثنائي، حيث تكون بعض البولزارات في الأنظمة النجمية النيوترونية المضاعفة قريبة جداً من مرافقها بحيث أن مسارات مداراتها تكافئ حجم شمسنا، وهي تُنجز دورة كاملة حول بعضها في أقل من يوم.
يبلغ طول مدار J1930-1852 حوالي 52 مليون كيلومتر، أي نفس المسافة الكائنة بين عطار والشمس تقريباً، ويدور هذا البولزار حول مرافقه لمرةٍ واحدة كل 45 يوم.
يقول سوينغوم: "مداره أكبر بمرتين تقريباً من أكبر مدار رصدناه في أنظمة نجمية نيوترونية مضاعفة في السابق، وتُعطينا بارامترات البولزار أدلة قيمة جداً حول كيفية تشكل نظام كهذا. إن اكتشاف أنظمة شاذة كـ يُقدم لنا صورة أكثر وضوحاً عن المجال الكامل للاحتمالات الموجودة أمام تطور الأنظمة الثنائية".
لا تزال الدراسات الخاصة باكتشاف البولزار أثناء ورش العمل الخارجية جارية، حيث يستمر برنامج ورش العمل الخارجية للبحث عن البولزار PSC، ويتوقع علماء الفلك أن تؤدي البيانات، التي يصل حجمها إلى 130 تيرا بايت، إلى اكتشاف عشرات البولزارات المجهولة سابقاً.
ومشروع ورش العمل الخارجية للبخث عن البولزار (PSC) هو مشروع مشترك بين المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي وجامعة فيرجينيا الغربية، ويهدف المشروع إلى إعطاء طلاب المدارس الثانوية فرصة القيام بأبحاث حقيقية.
تقول ماكوف، التي حصلت على مرتبة شراير كعالم شرف في جامعة ولاية بنسلفانيا: "إنها تجربة علمتني أنه ليس عليك أن تكون أينشتاين لتصير جيداً في العلم، ما عليك القيام به هو التركيز، والصبر، وتكريس وقتك للعمل".
أما ري، الذي أصبح الآن طالباً في كلية المجتمع في مقاطعة بالتيمور ويدرس البيولوجيا والهندسة وخدمات طب الطوارئ: "كلما نظرنا عالياً إلى السماء ودرسنا الكون، نحاول فهم ما يوجد هناك، ساعدتني هذه التجربة على استكشاف وتخيل الأشياء التي قد توجد هناك وتصور تلك التي لا نراها".