الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

فيرمي-ناسا يكتشف بولزار " متحول "



في وقتٍ متأخر من يناير 2013، عانى نظام ثنائي، يحتوي نجم نتروني يدور حول نفسه بسرعة كبيرة جداً، من تغيرٍ جذري في السلوك؛ ولم يتم رصد مثل هذا التغير من قبل أبداً. انطفأت المنارة الراديوية للبولزار في الوقت الذي سطع فيه النظام بالأشعة غاما بعاملٍ تجاوز خمسة أضعاف –وهي أقوى أشكال الضوء وفقاً للقياسات التي تمت بوساطة تلسكوب فيرمي-ناسا العامل بالأشعة غاما.

يقول Benjamin Stappers، فيزيائي فلكي من جامعة مانششتر في بريطانيا وهو من قام بقيادة جهد دولي من أجل فهم هذا المتحول المذهل "يُشابه الأمر قيام أحد الأشخاص بكبس المفتاح الكهربائي محولاً النظام من حالة طاقية منخفضة إلى حالة طاقية مرتفعة. يظهر التغير على شكل تفاعل شاذ يبن البولزار ومرافقه، وهو ما يسمح لنا بالحصول على فرصة من أجل استكشاف طور تحول نادر في حياة هذه الأنظمة الثنائية".


يتألف النظام الثنائي من نجمين يدوران حول مركز كتلة مشترك. يقع هذا النظام، المعروف بـ AY Sextantis، على بعد حوالي 44000 سنة ضوئية في كوكبة السدس (Sextans). يحتوي هذا النظام على بولزار 1.7 ميلي ثانية ويُسمى بـ J1023+0038، أو اختصاراً J1023، ونجم مرافق بكتلة تصل إلى خمس كتلة الشمس. يُنجز النجمان مداراً كاملاً كل 4.8 ساعة فقط، ما يعني ان النجمين قريبين من بعضهما البعض إلى درجة أن البولزار سيقوم بشكلٍ تدريجي بتبخير مرافقه.



عندما ينهار نجم فائق الكتلة وينفجر على شكل سوبرنوفا، يُمكن أن ينجو قلبه من هذه العملية ويُصبح على شكل بقايا مضغوطة تُعرف بالنجم النتروني أو البولزار -وهو جسم مضغوط جداً ويحتوي كتلة أكبر من كتلة الشمس داخل كرة أصغر من العاصمة واشنطن. 



يدور النجم النتروني الشاب والمعزول عشرات المرات حول نفسه في الثانية الواحدة ويُولد أشعة راديوية وضوء مرئي وأشعة اكس وأشعة غاما التي يُمكن رصدها على شكل نبضات حالما تعبر الأشعة الأرض. تقوم البولزارات أيضاً بتوليد تدفقاً خارجياً قوياً، او "رياح"؛ وهذا التدفق مكون من الجسيمات عالية الطاقة والتي تتحرك عند سرعة قريبة من سرعة الضوء. تأتي الطاقة اللازمة من أجل القيام بكل هذا الأمر من الحقل المغناطيسي للبولزار سريع الدوران؛ ومع مرور الوقت وجراء انخفاض سرعة البولزار، تتلاشى هذه الإصدارات. 



قبل أكثر من 30 عاماً، اكتشف الفلكيون نوعاً من البولزارات يدور حول نفسه لمرة واحدة كل 10 ميلي ثانية أو أقل، ما يجعل من سرعة الدوران تصل إلى حوالي 43000 دورة في الدقيقة الواحدة؛ وفي الوقت الذي يظهر فيه البولزار معزولاً، تنتج معظم البولزارات الميلي ثانيوية داخل الأنظمة الثنائية، ما يقترح بالتالي تفسيراً للقيمة المرتفة للفها الذاتي.



تشرح Anne Archibald، باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد علم الفلك الراديوي في هولندا (ASTRON) وهي من اكتشف J1023 في العام 2007 "لطالما اشتبه الفلكيون بأن البولزارات الميلي ثانيوية تنتج جراء انتقال وتراكم المادة القادمة من النجوم المرافقة لها ولذلك غالباً ما نُشير إليها بالبولزارات المعاد تدويرها".



خلال المرحلة الابتدائية من انتقال المادة، يُحدد النظام على أنه نظام أشعة اكس ثنائي منخفض الكتلة مع وجود لنجم نتروني بطيء الدوران ويقوم بإصدار نبضات من الأشعة اكس جراء اتجاه الغاز المسخن نحو سطحه. بعد بضعة مليارات الأعوام، وعندما يتوقف جريان الكتلة، يُصنف النظام على أنه بولزار ميلي ثانيوي مع وجود لإصدارات راديوية يُغذيها حقل مغناطيسي سريع الدوران.



من أجل الحصول على فهمٍ أفضل للف الذاتي لـ J1023 والتطور المداري له، تمت مراقبة النظام بشكلٍ منتظم ضمن المجال الراديوي وباستخدام تلسكوب لوفل الموجود في المملكة المتحدة وتلسكوب ويستبورك الراديوي الموجود في هولندا. كشفت تلك المراقبات عن اختفاء إشارة البولزار الراديوية، ما دفع للبحث عن تغير مرافق وحصل في خواص الأشعة غاما الخاصة بهذا البولزار.



قبل ذلك ببضعة أشهر، وجد فلكيون نظام أكثر بعداً بكثير وقام بالانتقال بين حالتي الأشعة الراديوية والأشعة اكس خلال فترة امتدت على أسابيع. عانى البولزار المعروف بـ PSR J1824-24521، الواقع في العنقود النجمي الكروي M28 الموجود على بعد 19000 سنة ضوئية من الأرض، من انفجار بالأشعة اكس في مارس وابريل من عام 2013؛ وخفتت إصدارات الأشعة اكس في وقتٍ مبكر من مايو ووُلدت الأشعة الراديوية. 



في الوقت الذي وصل فيه J1023 إلى طاقات أعلى بكثير ويُعتبر أكثر قرباً إلينا، إلا أن النظامين متشابهين جداً. يقول الفلكيون أن ما حصل هو مخاض تعاني منه هذه البولزارات عند قيامها بزيادة سرعة دورانها حول نفسها (لفها الذاتي).



في J1023، النجوم قريبة من بعضها إلى درجة كافية من أجل جريان الغاز من النجم المشابه للشمس نحو البولزار؛ والحقل المغناطيسي الشديد للبولزار وسرعة دورانه الكبيرة مسؤولين عن الأشعة الراديوية ورياح البولزار عالية الطاقة. عندما يتم اكتشاف الأشعة الراديوية، تقوم رياح البولزار بكبح المجرى الغازي القادم من النجم المرافق مانعةً إياه من الاقتراب بشكلٍ كبير. لكن في الوقت الحالي وفي المستقبل عاد هذا المجرى إلى النشاط ليقترب بالتالي النجم بشكلٍ أكبر من البولزار، ما يؤدي إلى تشكيل قرص تراكم.



يُصبح الغاز الموجود في القرص مضغوطاً وساخناً، حيث تصل درجات الحرارة إلى قيمة كافية من أجل إصدار الأشعة اكس. بعد ذلك، تخسر المواد الموجودة على طول الحافة الداخلية للقرص طاقتها المدارية وتنحدر نحو البولزار. عندما تسقط إلى ارتفاع يصل إلى 50 ميل (80 كيلومتر)، تخمد العملية التي تؤدي إلى إصدار الأمواج الراديوية، أو في الغالب يتم حجبها. 



ربما تتعرض الحافة الداخلية للقرص للاهتزاز بشكلٍ معتبر عند هذا الارتفاع؛ ويُمكن لبعضها أن يتسارع باتجاه الخارج عند سرعة قريبة من سرعة الضوء، ما يؤدي إلى تشكيل تدفقات ثنائية الجسيمات وتنطلق بالاتجاهات المتعاكسة –وهي ظاهرة تترافق في العادة مع الثقوب السوداء المتضخمة. من المرجح ان تكون أمواج الصدمة الموجودة في الداخل بالإضافة إلى هذه التدفقات مصدراً لإصدارات الأشعة غاما اللامعة، التي تمَّ رصدها من قبل تلسكوب فيرمي. 



نُشرت الاكتشافات في عدد 20 يوليو من مجلة الفيزياء الفلكية. ذكر الفريق أن J1023 هو المثال الأول التي تمت رؤيته بالنسبة لثنائيات الأشعة غاما منخفضة الطاقة المضغوطة وقصيرة الأمد؛ ويتوقع الباحثون أن النظام يُمثل مختبراً فريداً من أجل فهم كيفية تشكل البولزارات الميلي ثانيوية ومن أجل دراسة التفاصيل المتعلقة بكيفية حصول التراكم حول النجوم النترونية.



تقول Julie McEnery، عالمة المشروع من مركز غودارد-ناسا لرحلات الفضاء في غرينبلد بميريلاند "حتى الآن، ساهم فيرمي في زيادة عدد بولزارات الأشعة غاما التي نعرفها بعاملٍ وصل إلى حوالي 20 ضعف وضاعف أيضاً عدد البولزارات الميلي ثانيوية الموجودة داخل مجرتنا. يستمر فيرمي دوماً بالعمل كمحرك مذهل من أجل اكتشافات البولزارات‘‘.





المصدر

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: