منذ 50 عام مضت، أعلنت وكالة ناسا عن أول عملية تعقب ناجحة لقمر صناعي باستعمال أشعة ليزر. تُستعمل هذه التقنية الآن كمعيار لتحديد مدار الاقمار الصناعية بشكل دقيق. تمت التجارب التاريخية في مركز غودارد للطيران الفضائي في غرينبلت ماريلند، التابع لوكالة ناسا، و نشرت النتائج في عدد 13 نوفمبر 1964. قبل نهاية العقد، أصبحت هذه التقنية عالمية، مع خمسة محطات في الولايات المتحدة و فرنسا مجهزة بنظام قياس المسافات بالليزر. في هذه الأيام، أكثر من أربعين محطة في الخدمة، موجودة في كل القارات عدا القارة القطبية. دقة هذه القياسات هو سبب الاقبال عليها.
في عام 1964 كان لدى رادارات الموجات المايكروية (Microwave Radars) قدرة لتعقب الاقمار الصناعية ضمن دقة قياس تصل حتى 250 قدم (75متر). وأعلنت ناسا دقة قياس مبدئية لنظام قياس المسافات باشعة الليزر لتعقب الاقمار الصناعية تصل هذه الدقة لـ 10 اقدام (3 امتار )، مما يعني أفضل بحوالي 25 مرة. يقول جون ديغنان (John Degnan)، وهو باحث سابق في غودارد و كبير العلماء حالياً في شركة سيغما سبيس (Sigma Space): "اليوم نتكلم عن دقة بالملليمترات " . ديغنان كان مشاركاً في تجارب القمر الصناعي للقياسات بالليزر منذ بداية التجارب في غودارد، التي كانت بقيادة هنري هـ. بلوتكين (Henry H. Plotkin).
عندما بدأ خط هذه الابحاث، كانت تقنيات الليزر لا تزال في بدايتها، أول عرض لعمل أشعة الليزر – و التي استعملت بلورة ياقوت (ruby crystal) من اجل إنتاج الشعاع الاحمر –قد بدأ قبل أربع سنوات، في أواسط 1960، كانت لا تزل بعض المنشورات العامة تكتب كلمة ليزر كاملةً بالاحرف الكبيرة (LASER)، مشيرةً الى انها اختصار لـ" تضخيم الضوء بانبعاث الإشعاع المحفز (light amplification by stimulated emission of radiation)" عمل فريق بولوتكين مع ليزر ياقوتي اللون و الذي كان جزءً من نظام غودارد الأول، و المسمى غودلـس (GODLAS) و هي اختصار " ليزر غودارد " (Goddard laser) .
بالنسبة لإختبارات التعقب، تم تحديد مكان غودلس في منشأة كانت معروفة آنذاك باسم مرفق غودارد للبحوث البصرية، و تُسمى الآن مرصد غودارد الجيوفيزيائي و الفلكي (Goddard Geophysical and Astronomical Observatory).
تم وضع الليزر و التلسكوب المستقبل على صاروخ نيك-أجاكس لتعقب المقذوفات، والذي تم إعتماده من إعدادات الرادار. لتوجيه الليزر بحاجة الى عاملين يجلسان على الجبل، كل واحد منهما لديه جهاز تلسكوب ذو محور بصري بهدف مراقبة الأقمار الصناعية المضاءة بنور الشمس وعصا التحكم لتوسيط الهدف ، أحد التيليسكوبين لنقطة الإرتفاع و الآخر لتحديد نقطة السِمت (يمين – يسار). أًطلق الليزر إلى القمر الصناعي المسمى اكسبلورر 22 (Explorer 22)، و هو قمر صناعي صغير يقوم بقياسات عالمية لجسيمات مشحونة في طبقة الأيونوسفير، و هي طبقة الغلاف الجوي العليا للأرض.
اكسبلورر 22، معروف ايضاً باسم بيكون اكسبلورر بي (Beacon Explorer B)، و هو أول قمر صناعي في المدار مجهز بعاكسات مصممة خصيصاً من أجل التتبع الليزري. و يعلو المركبة الفضائية تسع لوحات، و يحمل كل منها 40 عاكسا، معروفة باسم " زوايا المكعب (cube corners) " ، لأن كل واحدة منها فعلياً عبارة عن ثلاث زوايا جانبية من الزجاج المكعب . هذا التصميم يعكس ضوء الليزر القادم الى نقطة المنشاً.
إستُعملت عاكسات متعددة لتأمين إشارة ليزر عائدة بشكل أقوى من الأقمار الاصطناعية.
تم تجميع نبضة الليزر العائدة عبر التيلسكوب في حساس ضوء بسيط ، يُسمى بأنبوب مضاعف ضوئي (photomultiplier tube) .
يتم ارسال اشارة المضاعف الضوئي إلى مقياس التذبذب (oscilloscope) ، و أكد الباحثون نجاحهم الأول –و الذي تحقق في مساء 31 اوكتوبر1964 -عبر مشاهدة بعض الاشارات القصيرة تظهر على شاشة مقياس التذبذب. في الأسابيع التالية، تحسنت نوعية البيانات بما فيه الكفاية لتحديد نطاق الأقمار الصناعية. تم حساب المسافة عبر حساب الوقت الذي اخذته نبضة الليز للقيام برحلتها ذهاباً واياباً. وأفاد إعلان وكالة ناسا عن المسافة رسمية وهي 600 ميل (حوالي 966 كم)، ودقة قياس لمسافة 10 أقدام (3 أمتار). مع الوقت، في ابريل 1965 أُطلق بيكون اكسبلورر سي (Beacon Explorer C) ، وأصبحت قياسات المسافات بالليز تعتبر تقريبا امراً روتينياً.
و ذكر بلوتكين مؤخراً في خطاب بمناسبة الذكرى الخمسين : " في غضون أيام قمنا بمئات القياسات للمسافة لكل مدار، قمنا ببناء محطة تتبع ليزري على مقطورة متنقلة حتى نتمكن من نقله إلى محطات التتبع الراديوي للمساعدة في المعايرة الخاصة بهم." ولا يزال يتم تعقب بيكون اكسبلورر سي الى يومنا هذا. و قد تم تصوّر العديد من التطبيقات التقنية بعيدة المدى من البداية.
قام بولكن في نشرات الأخبار ذلك الوقت بتنبؤ أن التقنية التي تمّ إتقانها يمكن في نهاية المطاف أن تستخدم في توفير معلومات حول شكل الارض، أو للتواصل بين مركبات الأرض و الفضاء " و منذ ذلك الوقت أثبتت أقمار قياس المسافات بالليزر أنها مهمة لإنتاج نماذج مفصلة عن الأرض و حقول الجاذبية، بالإضافة إلى مركز ثقل و الشكل العام للكوكب.
إستُعملت المعلومات أيضاً للمساعدة في خريطة التغيرات في مستوى سطح البحر وكتلة الجليد، وكانت هذه التقنية مفيدة في دراسات لحركات الصفائح التكتونية للأرض. كما تحققت تنبؤات بلوتكين بالنسبة لقياس المسافات خارج الأرض. منذ عام 1969 تجري قياس المسافات بالليزر من الارض إلى القمر، وذلك بوضع لوح من مئة عاكس ضوئي على سطح القمر من قبل رواد أبولو 11. بحلول عام 2005، كان علماء غودارد قد تبادلوا بنجاح نبضات الليزر مع المركبة الفضائية مسنجر (MESSENGER) في طريقها إلى عطارد وقياس مسافة 15.1 مليون ميل (24.3 مليون كيلومتر) مع دقة أقل من 8 بوصة (20 سم).
وبعد ثلاثة أشهر، تم بنجاح إلتقاط نبضات الليزر التي تمّ نقلها من الأرض الى مركبة فضائية تدور حول المريخ على مسافة 49.7 مليون ميل (80 مليون كيلومتر). ومنذ عام 2009، سجل مستكشف القمر المداري (Lunar Reconnaissance Orbiter) التابع لناسا بنجاح نبضات الليزر المرسلة عن طريق الجيل القادم من نظام القمر الصناعي لقياس المسافات التابع لغودارد ومحطات عالمية أخرى.
لمزيد من المعلومات حول فضاء جوديسيا، قم بزيارة هذا ، لمزيد من المعلومات حول الخدمة العالمية لقياس المسافات باستعمال الليزر، قم بزيارة هذا