الاثنين، 15 ديسمبر 2014

السفر عبر الفضاء أكثر أمانًا مما كان متوقع



تم الانتهاء من تحليل البيانات القادمة من تجربة ماتروشكا (Matroshka) وهي أول تجربةٍ متكاملةٍ لقياس آثار تعرُّض رواد الفضاء للأشعة الكونية لفتراتٍ طويلةٍ. أُجريت هذه التجربة على متن محطة الفضاء الدولية وخارجها، وبيَّنت أن الكون قد يكون أقلَّ عدائيةً مما كان متوقع تجاه مسافري الفضاء.

تُعتبر الإشعاعات الكونية من أكبر المخاطر التي تُهدد حياة المسافرين في الفضاء. مما يحُدُّ من الوقت الذي يمكن أن يقضيه الرواد في الفضاء قبل أن يُصبح بقاؤهم خطِرًا على صحتهم، وذلك بسبب التعرض لجرعة كبيرة من هذه الإشعاعات المؤينة.

صمَّمت وكالة الفضاء الدولية (ESA) بالتعاون مع مؤسساتٍ بحثيةٍ في ألمانيا وبولندا والنمسا والسويد وروسيا، ونفذت تجربة ماتروشكا، لتحديد الجُرعة الفعلية من الإشعاعات التي يتعرض لها رواد الفضاء خلال رحلة طويلة المدى.
استُعمل في هذه التجربة مجسمٌ يُحاكي جسم الإنسان، ووُضع فيه عدة آلاف من أدوات الاستشعار، التي تم تصنيع معظمها في معهد الفيزياء النووية التابعة لأكاديمية العلوم البولندية (IF J PAN) في كراكوف-بولندا. سجَّلت أدوات الاستشعار جرعات الإشعاعات الكونية داخل محطة الفضاء الدولية وخارجها - أي في الفضاء المفتوح - على مدى عدة سنوات. وتم الانتهاء حديثًا من التحليل المتواصل للبيانات القادمة من ماتروشكا ، وأسفر تحليل هذه البيانات عن نتائج غير متوقعةٍ إلى حد ما.

يقول الدكتور باول بيلسكي Pawel Bilski – الأستاذ المشارك في IF J PAN: "نستطيع القول بأننا وجدنا الفضاء المفتوح أقلُّ عداوةً تجاه البشر مما كان متوقعًا. فقد كانت الجرعات الفعالة المتعلقة بالمخاطر الصحية لرواد الفضاء والتي تم حسابها عبر أدوات الاستشعار أقل من تلك التي حصلنا عليها بأدوات قياس الجرعات التي يرتديها رواد الفضاء."

استُعملت مجسمات شبيهة بالإنسان صُنِّعت خصيصًا للبحوث الطبية، فوُضعت عظامٌ بشريةٌ حقيقيةٌ داخل جسم بلاستيكي يحاكي أشكال وكثافة الأنسجة الرخوة أو الرئتين في جسم الإنسان، واستُخدمت لقياس جرعات الإشعاع الكوني.
كان الجسم البلاستيكي عبارةٌ عن جذعٍ بدون أرجل، ويتألف من 33 شريحة، سماكة كلِّ واحدةٍ منها 2.5 سنتيمتر، ووضعت أجهزة القياس داخل هذه الشرائح. تحتوي الشرائح على مجموعاتٍ من أجهزة الكشف الوميضي السالبة، ووضعت في أنابيب بلاستيكية. وهكذا تم إنشاء شبكةٍ مستطيلةٍ ثلاثيةِ الأبعاد من نقاط القياس داخل المجسم، وتحتوي على ستة آلاف كاشفٍ وميضي. أكثر من ثلاثة آلافٍ من هذه المستشعرات تم صنعها في IF J PAN.
تمكَّن الباحثون من خلال هذه التجربة من تحديد التوزُّع المكاني للجرعة داخل الجسم بشكل دقيق، وذلك لتقييم الجرعات التي يتم امتصاصها في أعضاءَ معينةٍ من جسم الإنسان. وتمكنوا في النهاية من تحديد ما يسمى بالجرعة الفعالة، التي تعتبر تقديرًا لمخاطر الإشعاعات الكونية على البشر.

يوضِّح البروفيسور باول أولكو Paweł Olko - المدير العلمي في IF J PAN: "أجهزة الكشف الوميضي لدينا هي عبارةٌ عن كُريَّاتٍ بيضاءَ رقيقة قطرها 4.5 ميلليمتر، وتنتج هذه الكريات من فلوريد الليثيوم، بالإضافة إلى بعض الشوائب التي يتم اختيارها بعناية". تقوم هذه الشوائب بتحطيم الهيكل المنتظم لشبكة بلورة فلوريد الليثيوم الموجود في أجهزة الكشف الوميضي، وبذلك تخلق سوياتٍ محظورة جديدة للطاقة، فتصبح بمثابة مصيدة للإلكترونات الحرة التي ولَّدتها الإشعاعات الكونية داخل هذه الشبكة.

يتزايد عدد هذه الإلكترونات المأسورة تدريجيًا مع الجرعة التي يمتصُّها الكاشف. بعد ذلك ، عندما يتم تعريض الكاشف للحرارة في المختبر، تنطلق الإلكترونات المأسورة وينبعث ضوء، وتتناسب كمية هذا الضوء مع الجرعة التي تم امتصاصها في الكاشف، وعندها يمكن قياس الجرعة بدقة.

إن الخطر الرئيسي على صحة رواد الفضاء بسبب التعرض للإشعاعات الكونية هو زيادة احتمال حدوث سرطانات في الجسم. لكن هذا الاحتمال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنوع الإشعاع الذي يتعرض له رواد الفضاء. فمعظم المصادر الطبيعية للأشعة المؤينة في الأرض تُنتج أشعة كهرومغناطيسية عالية الطاقة، أي أشعة غاما. من ناحية أخرى، تسود البروتونات والأيونات الثقيلة عالية الطاقة في الأشعة الكونية، مما يجعل هذه الأشعة أكثر قدرةً على التسبُّب بالسرطانات.

لا تستطيع أجهزة الكشف الوميضي التمييز بين أشعة غاما والأيونات، ولذلك تم تجهيز المجسم بكواشف مسارٍ بلاستيكية، بحيث يصبح بالإمكان قياس مسارات البروتونات أو الأيونات الأثقل.
تم أيضًا إضافة معطف على المجسم، يحوي أجهزة استشعار تحاكي أجهزة قياس الجرعات الفردية التي يرتديها رواد الفضاء، وذلك لإجراء مقارنةٍ بين كمية الجرعات التي سجلتها تلك الأجهزة مع الكمية الفعلية التي امتصتها أجسامهم.

تعرَّض خلال السنوات 2004 – 2009 مجسم ماتروشكا للإشعاعات الكونية ثلاث مرات، استغرقت كلٌّ مرةٍ عامًا أو أكثر. وكانت اثنتين منهما في الوحدة الروسية من المحطة الفضائية الدولية، وكانت الأخيرة في وعاءٍ يحاكي الخصائص الوقائية لبدلات رواد الفضاء، ووُضع في الفضاء المفتوح خارج المحطة الدولية. وهذه القياسات غير مسبوقة، فلم يتم إجراء مثلها من قبل.

تولَّى فريق من العلماء في كلٍ من IF J PAN في كراكوف، ومركز الفضاء الألماني (DLR) في كولونيا وجامعة فيينا التقنية، مهمة قراءة البيانات وتحليلها بعد إعادة المجسم وأجهزة الاستشعار المرفقة معه إلى الأرض. وكان الاستنتاج أن أجهزة قياس الجرعات الفردية التي يرتديها رواد محطة الفضاء الدولية تُبالغ في تقدير الجرعة الفعلية التي امتصها الجسم بمقدار 15%، ولكن في الفضاء المفتوح تجاوزت هذه المبالغة مقدار 200%.

يذكر الدكتور بليسكي ملاحظةً حول هذا الموضوع قائلًا: "علينا أن نتذكر أن هذه القياسات حدثت ضمن مدار منخفض حول الأرض حيث تقلل طبقة الماغنيتوسفير من عدد الجسيمات المشحونة من الأشعة الكونية بشكل كبير. ولكن في الفضاء الكائن بين الكواكب لا يوجد هناك درع مماثل ".

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: