تخيل نفسك أمام حائط أملس ارتفاعه 50 متر ولا تملك طبعاً أي أدوات للتسلق، ولا تمتلك الطاقة الكافية لاختراق ذلك الحائط، منطقيا لن تتمكن من الوصول للطرف الاخر ولا يحدث ذلك سوى في أفلام الخيال العلمي. لكن هذا الشيء ممكن وحقيقي في عالم ذري صغير يدعى بعالم ميكانيك الكم.
المفعول النفقي الكمومي
حسب قواعد الميكانيك الكلاسيكي أو ما نعرفه عن قوانين الطبيعة من تجربتنا اليومية إن لم يكن لدى جسم (كرة مثلا) طاقة كافية لاختراق حاجز ما، فلن تصل إلى الطرف الأخر وستبقى في نفس الجهة للأبد. فمثلا لو وضعت حبة خرز صغيرة في وعاء مقعر كالأوعية الموجودة في مطبخك وتركتها على الطاولة ستبقى حبة الخرز في الاسفل ولن تجدها تتسلق جدار الوعاء تلقائيا لتتدحرج نحو الخارج. أما في عالم الذرات المجهري المحكوم بقواعد ميكانيك الكم فالجسيم حتى وإن لم يمتلك الطاقة الكافية يستطيع الوصول للطرف الاّخر بتأثير ما يعرف بالمفعول النفقي الكمومي. فالمفعول النفقي هو حالة ممكنة عملياً وذلك بسبب الطبيعة الموجية للمادة فضمن العالم المذهل لميكانيك الكم يمكن للجسيمات أن تتصرف كأمواج بدل أن تتصرف ككرات البلياردو كما قد نتخيلها دون قصد. وهذا يعني أن الإلكترون لن يتواجد في مكان وزمان محددين، ولن يمتلك مقداراً محدداً من الطاقة في لحظة محددة تماما وإنما تواجده سيكون وفق موجة من الاحتمالات. فموضع الالكترون يوصف باحتمال وجوده في منطقة حول الذرة تمتد بكل سلاسة من داخل الذرة إلى خارجها، أي أن وجود الالكترون خارج الذرة هو احتمال وارد دوماً، وبالتالي يمكن أن يتواجد الإلكترون على الجهة المعاكسة من الحاجز (شبهنا هنا قوة جذب النواة الموجبة للألكترون السالب بانها حاجز يمنعه من الابتعاد) وكأنه شكل نفقاً استطاع العبور من خلاله كما أن الجسيم الذي لا يملك طاقة ملائمة لإجتياز حاجز يستطيع عملياً استعارة قدر من الطاقة من وسطه المحيط فيجتاز الحاجز. وكأن للمفعول النفقي الكمومي تأثير سحري يسمح للإلكترون في بعض الحالات أن يفلت من قوة الجذب المطبقة عليه من قبل النواة الموجبة، مع انه لا يمتلك طاقة حركية تمكنه من ذلك.
أمثلة عن ظاهرة النفق الكمومي:
- نعلم أن الذرة تتألف من نواة تحوي داخلها بروتونات ونيوترونات ومن إلكترونات تتحرك حول النواة. في عشرينات القرن الماضي اكتشف انه يمكن لنواة ذرة عنصر البولونيوم 210 والتي تحوي 84 بروتون أن يفلت منها جسيم ألفا (مؤلف من بروتونين ونترونين) بفضل المفعول النفقي الكمومي، فتتحول بذلك إلى نواة ذرة الرصاص 206 التي تحوي 82 بروتون.
- كما يلعب المفعول النفقي الكمومي دوراً رئيسياً في إنتاج طاقة النجوم، على سبيل المثال تبلغ درجة حرارة مركز الشمس 13.6 مليون كلفن ، وحتى تتمكن ذرتي هيدروجين من الاندماج لإنتاج طاقة يجب أن تكون حرارة مركز الشمس حوالي مليار كلفن(للتغلب على قوة التنافر الكهربائية بين نواتي الهيدروجين).أي أن الاندماج لن يحصل نظرياً ولكن بفضل المفعول النفقي هناك فرصة ضئيلة لحدوثه دون أن تتوفر درجة الحرارة المطلوبة، وبما أن الشمس تمتلك كمية هائلة من ذرات الهيدروجين فان تلك الفرصة الضئيلة سوف تُخضع حوالي 4 مليون طن من الهيدروجين في كل ثانية لعملية اندماج نووي.