لقد توصل العلماء في الولايات المتحدة إلى بناء مُسرع جُسيمات بطول 30 سم فقط، بتقنيةٍ قادرة على تسريع الإلكترونات أسرع بـ 500 مرة من التقنية المُستخدمة حالياً.
تأتي قوة هذا الجهاز من حقيقة أنه مملوء بالبلازما – وهي حالة للمادة تكون فيها بشكل أيونات (شوارد) – وقد قام فريق من مسرع المختبر الوطني في كاليفورنيا SLAC باستخدام الجهاز لتسريع الإلكترونات إلى ما يُقارب سرعة الضوء، وهو إنجاز عظيم بالنسبة للمسافة الصغيرة التي يشغلها المُسَرِّع.
يعتمد مبدأ عمل الجهاز على طريقةٍ كانت قد طُرحت بشكل نظري في سبعينات القرن الماضي وتسمى ” plasma wakefield acceleration” أو “التسريع بأثر حقل الحركة ضمن البلازما”، لكن الآن أثبت هذا الجهاز إمكانية تطبيقها عملياً، وأنها أكثر فعاليةً من التقنيات المُستخدمة حالياً في تسريع الجسيمات.
على سبيل المقارنة، فإن هذا الجهاز قادر على القيام بما يقوم به صادم الهادرونات الكبير LHC التابع للمركز الأوروبي للأبحاث النووية CERN الموجود في سويسرا والممتد على طولٍ قدره 27 كيلومتر، وكذلك المشروع الصيني الجديد لبناء أقوى مسرع جسيمات في العالم بطول 80 كيلومتر.
في الوقت الراهن فإن حجم الجهاز ما زال صغيراً لكي يستطيع العلماء الاستفاة منه في دراسة الجسيمات، إلا أنه بزيادة الحجم يمكن الوصول إلى جيلٍ جديد ذو قدرات عالية من مُصادمات الجسيمات.
من أجل تخيل حجم هذا الإنجاز، فإن الجهاز الجديد يستطيع تسريع حزمة من الإلكترونات لتصل إلى نفس مقدار الطاقة التي تصله الإلكترونات المُسَّرَعة في المُسرّع الخطي SLAC والذي يبلغ طوله 3.2 كيلومتر، في مسافةٍ أقل من 6 أمتار.
يُعد هذا الجهاز خطوةً هامة في سبيل فهم أعمق للكون والقوانين التي تحكمه، حيث سنحتاج في سبيل ذلك إلى أجهزة ذات قدرات أعلى من الأجهزة التي نملكها حالياً.
الفيديو التالي يُوضّح عمل المسرع الجديد:
وتمثل طريقة plasma wakefield acceleration هذا التغيير الجذري، يقول Litos :”فجأة تتحول مسافة 50 كيلومتر إلى 5 كيلومتر!”
مُسرعات الجسيمات التقليدية تعمل على مبدأ وضع الجسيمات ضمن الفراغ ثم إخضاعها لحقل مغناطيسي هائل يعمل على تسريعها إلى سرعاتٍ قريبة من سرعة الضوء، ومن ثم يتم صدم حزمتين من الجُسيمات اللتين تدوران باتجاهين متعاكسين، وتسجيل نتائج اصطدام هذه الجسيمات، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة تعمل بشكل جيد، إلا أنها تستهلك الكثير من الطاقة، وبالتالي تكون أحجام المُسرّعات كبيرة.
بدلاً من ذلك قام Litos وفريقه بملء أنبوبهم بالبلازما الناتجة عن تسخين غاز الليثيوم ثم تأيينه بواسطة الليزر، وذلك قبل إصدار حُزمتين متعاقبتين من الإلكترونات. تحتوي كل منهما على 5 إلى 6 مليون إلكترون.
تقوم حزمة الإلكترونات المُتقدمة (الحزمة القائدة) بتمرير الطاقة إلى الحزمة المتأخرة (الحزمة المُقادة)، وفي كل مرة تحدث فيها هذه العملية تصبح الحزمة المقادة أسرع فأسرع. وهذا يخلق وبشكلٍ فعال أمواجاً كبيرة من البلازما التي تتحرك ضمنها حزم الإلكترونات.
يقول Litos :” نحن نقوم بإرسال الحزم عقب بعضها البعض. لتقوم الحزمة الأولى بإعطاء الطاقة للحزمة الأخرى، فنستطيع بذلك تسريع الجسيمات في مسافات أقصر. وإذا قمنا بتكرار هذه العملية لمرات عديدة يمكننا بناء مصادم يعمل وفق برنامج مُنظم.”
الفيديو التالي يوضح مبدأ عمل تقنية Plasma Weakfield Acceleration:
إذا استطاعوا التوصل إلى ذلك، سيصبح بإمكانهم بناء مصادم جسيمات يقوم بوظائف مصادم الهادرونات الكبير LHC، كالبحث عن الجُسيمات الأساسية التي مازالت غامضة مثل بوزون هيغز، وكذلك في إعادة تشكيل أحداث ولادة الكون.
ولكن بالنسبة للوقت الراهن، فقد استطاع الفريق تخطي عقبة كبيرة وهي التوصل إلى مُسرّع جسيمات صغير وغير مُكلف، وهذا من شأنه أن يفتح أبواب جديدة لإكتشافات نتوق إلى معرفتها.
المصدر: هنا