يبدو أن مساعي شركة غوغل لتصنيع حاسوبها الكمومي الخاص ستغير من وجه الحوسبة للأبد.
ستبدأ شركة غوغل قريباً جهودها من أجل تصميم وبناء منصتها العتادية المخصصة لبناء حاسوب كمومي. الحواسيب الكمومية Quantum Computers هي أحد أنماط الحواسيب التي تقوم بتسخير مبادئ الميكانيك الكمومي من أجل حل مشاكل ومسائل، قد يتطلب حلها ملايين السنين باستخدام الحواسيب التقليدية.
منذ عام 2009، عملت شركة غوغل مع شركة D-Wave المثيرة للجدل، والتي ادعت أنها قامت ببناء أول حاسوب كمومي على الإطلاق، وقد قامت شركة غوغل العام الماضي بشراء أحد الآلات التي قامت بتصنيعها شركة D-Wave والتي من المفترض أنها حاسوب كمومي. أظهرت التحليلات اللاحقة والتي تم نشرها هذا العام أنه لا يوجد أي دليل ملموس على أن الحواسيب التي صنعتها شركة D-Wave تستخدم مبادئ الميكانيك الكمومي من أجل حل المشاكل والمسائل بشكلٍ أكثر فعالية من الحواسيب التقليدية.
حالياً، انضم البروفيسور جون مارتينيز – من جامعة كاليفورنيا – لشركة غوغل للمساهمة بالجهود الهادفة لبناء مخبر عتادي كمومي Quantum Hardware Lab ضمن الجامعة نفسها. سيحاول البروفيسور مارتينيز القيام بتصنيع شرائحه الخاصة والتي هي من نفس نمط الشرائح الموجودة ضمن حاسوب D-Wave.
عمل مارتينيز لأكثر من عقد على العديد من الطرق المثبتة بمجال الحوسبة الكمومية، وقد تمكن من بناء أحد أكبر الأنظمة الخالية من الخطأ والتي تعتمد على وحدة المعلومات الكمومية التي تقوم بترميز المعلومات بالحواسيب الكمومية، الكيوبت QuBits.
يقول البروفيسور مارتينيز :” نحن نتطلع لإعادة التفكير بالتصميم وتكوين الكيوبت بطرقٍ أخرى. نحن نعتقد أنه يوجد فرصة في الطريقة التي نستخدمها من أجل تحسين الآلة التي قامت D-Wave ببنائها “. يتولى البروفيسور مارتينيز الآن منصباً مشتركاً بين غوغل وجامعة كاليفورنيا مما يسمح له بأن يتابع أبحاثه ضمن الجامعة.
يمكن للحواسيب الكمومية أن تكون أسرع كثيراً من أي حاسوب آخر وعلى عدة مستويات، وذلك لأن الكيوبتات التي تعمل مع بعضها البعض تستطيع أن تستثمر مراوغات الميكانيك الكمومي بحيث تتجاهل المسارات الخاطئة للحل بسرعةٍ كبيرة، وتستقر أيضاً بسرعة على الحل الصحيح. بكل الأحوال، ليس من السهل أبداً القيام بتشكيل الكيوبت، وذلك لأن الحالات الكمومية حساسة جداً.
بالنسبة للبروفيسور كريس مونور، والذي يدير مخبراً للحوسبة الكمومية في جامعة ميريلاند، فقد رحب كثيراً بالأخبار المتعلقة بقيام أحد الاختصاصيين الرائدين بهذا المجال (وهو البروفيسور مارتينيز) بالعمل من أجل الإجابة على السؤال المتعلق بكفاءة وفعالية حاسوب D-Wave، وهو يقول :” أعتقد أن هذا الأمر هو تطورٌ هام جداً، من حيث أنه سيستطيع الباحثون وبشكلٍ شرعي تجريب الحاسوب واختباره وتطويره “.
سبب قيام شركة D-Wave بعرض حاسوبها الأول عام 2007 غضب العديد من الباحثين والأكاديميين، وذلك بسبب تصريحات الشركة وادعاءاتها حول أداء حاسوبها بدون تقديم أي دليل ملموس على ذلك، وهو ما طالب به النقاد على الدوام. بكل الأحوال، فإن الشركة قد تمكنت من الحصول على أكثر من 140 مليون دولار كتمويل، وقد باعت بالفعل عدة نسخ من حاسوبها.
لا يوجد أي شك على الإطلاق حول قدرة الحاسوب الذي صنعته شركة D-Wave على أداء العمليات الحسابية، وقد أشارت دراسة بحثية في عام 2011 إلى أن شريحة المعالج الخاصة بحاسوب D-Wave تتضمن النمط الصحيح من الفيزياء الكمومية المطلوبة من أجل تنفيذ حوسبة كمومية. إلا أن الأدلة لا تزال قليلة جداً فيما يتعلق باستخدام الحاسوب للفيزياء بالطريقة الصحيحة التي تسمح بالحصول على القدرات الكبيرة والهائلة المفترض وجودها ضمن حاسوبٍ كمومي. قد يكون الحاسوب الذي أنتجته شركة D-Wave يقوم بحل المشاكل باستخدام الفيزياء التقليدية!
ركزت الأعمال السابقة للبروفيسور مارتينيز على الطرق التقليدية للحوسبة الكمومية، ومؤخراً، فقد تمكن من وضع معلم هام بهذا المجال، وذلك عندما أعلن مخبره عن قدرتهم على تشغيل 5 كيوبت مع معدل خطأ منخفض نسبياً. كي يكون الحاسوب الكمومي مفيداً، يجب أن يكون مبنياً مع عشرات الآلاف من الكيوبت أو أكثر.
يوجد 512 كيوبت ضمن الشريحة الخاصة بآخر حواسيب شركة D-Wave، إلا أنه قد تم توصيلها مع عناصر مختلفة ومحدودة تعرف باسم “Quantum Annealer”. بسبب هذا التوصيل، فإن الكيوبتات الخاصة بهذا الحاسوب تستطيع أن تقوم بتنفيذ خوارزمياتٍ مستخدمة من أجل نمط معين من المشاكل التي تتطلب تحديد أفضل خيار ممكن من بين العديد من الخيارات المتنافسة، كمثال، اختيار أفضل طريق للتوصيل المنزلي حول مدينة.
شارك البروفيسور مارتينيز أيضاً بورقةٍ بحثية نشرت في مجلة Science بوقتٍ سابقٍ هذا العام، وقد كانت هذه الدراسة أحد أكثر الدراسات صرامةً فيما يتعلق بمواصفات وأداء حاسوب D-Wave. كانت نتيجة الدراسة أنه بنتيجة الاختبارات المجراة على الحاسوب، فإنه لا يوجد أي دليل على تسريع كمومي لأداء الحاسوب. وبدون التسريع الكمومي المفترض لأداء الحاسوب، فإن النقاد قد وصفوا حاسوب D-Wave على أنه مجرد حاسوب تقليدي مبالغٌ بقدراته. أجابت الشركة على هذه الانتقادات بأن الدراسة التي تم إجراؤها على حاسوبها تضمنت اختباراتٍ خاطئة ومن شأنها ألا تظهر القوة بأداء الحاسوب.
وقد ساهم البحث الذي أجراه البروفيسور مارتينيز على حواسيب D-Wave بأن يتكلم مع شركة غوغل، ويتوصل لاتفاقيةٍ معها، للحصول على منصبه الجديد. تقترح النظريات وعمليات المحاكاة أن عناصر الـ Quantum Annealers من شأنها أن تساهم بالحصول على التسريع الكمومي المأمول بأداء الحواسيب، ويعتبر البروفيسور مارتينيز هذا الأمر سؤالاً مفتوحاً.
يعتقد مارتينيز أن التقنية التي يستخدمها من أجل تشكيل الكيوبتات ستؤدي لتكوين Quantum Annealers أفضل. على وجه التحديد، يأمل مارتينيز أن يتمكن من تصنيع العناصر اللازمة التي تستطيع الكيوبتات وفقها الحفاظ على حالة “التراكب SuperPosition” بشكلٍ مستقر، أي أن تحافظ على قيمتي “0” و “1” بآنٍ واحد معاً، وبشكلٍ مستقر. الكيوبتات الخاصة بحواسيب شركة D-Wave تستطيع المحافظة على حالة التراكب لفتراتٍ زمنية من رتبة النانوثانية، ويقول مارتينيز أنه قد تمكن من تشكيل كيوبتات تستطيع الاحتفاظ بحالة التراكب لحوالي 30 ميكروثانية.
يقوم مارتينيز بتشكيل الكيوبتات الخاصة به من دارات الألمنيوم المبنية على شرائح الياقوت، ومن ثم قام بتعريضهم لحرارةٍ تعادل 20 ميللي كيلفن، أي لدرجات حرارة تقع فوق الصفر المطلق بأجزاءٍ صغيرة جداً. هذه العملية ساهمت بجعل العناصر فائقة الناقلية. تتطلب شرائح حواسيب D-Wave طرق تبريد مماثلة كي تتمكن من العمل، إلا أن داراتها قد تم بناؤها من النيوبيوم الموضوع فوق شرائح السليكون. يعمل البروفيسور مارتينيز حالياً على إجرائيات الانتقال لبناء الكيوبت اعتماداً على السليكون، وهو يعتقد أن مواد عازلة كهربائياً قد استخدامها بشرائح D-Wave هي التي ساهمت بالحد من أدائها وفعاليتها.
بكل الأحوال، لم تفقد شركة غوغل الأمل كلياً بـ D-Wave، وخلال تصريحٍ على شبكة الانترنت، أعلن رئيس أبحاث شركة غوغل بمجال الحوسبة الكمومية أن الشركتين ستستمران بالعمل معاً، وأن الحاسوب الجديد المطور سيتم تحديثه بمعالجٍ ذو 1000 كيوبت عندما يكون جاهزاً.