الجمعة، 14 نوفمبر 2014

الحرباء والصور المُجسمة: البحث عن الطاقة المظلمة يصبح غريباً



ربما ينذهل البعض من لفظة " الحرباء " ولكن هذا هو أدق توصيف لمُطاردة علماء الكونيات للطاقة المُظلمة Dark Energy وطبيعتها ومدى تأثيرها على مُعدّل التوسع الكوني، فهي أشبه بالحرباء في إجادتها للاختفاء من أعين مطارديها.
وكما العدو الخفي الذي يأتي من حيث لا تدري فإن الضوء يأتي في الظلام من أماكن غير متوقعة بتاتاً، لذا فقد قام العلماء بإجراء تجارب غير اعتيادية للبحث في الطاقة المظلمة مما سيؤدي بالتالي إلى إحداث ثورة في فهمنا لهذه القوة الغامضة.

وعلى ضوء الاهتمام الكبير للعلماء في هذا الصدد، فقد اجتمع أكبر علماء الكونيات في العالم في شيكاغو الأمريكية لمناقشة القوتين اللتين قد تدفع الكون بعيداً :
• التّضخم Inflation والذي من المُحتمل أنه سبب تضخم الكون مباشرة عقب الانفجار العظيم.
• الطاقة المُظلمة Dark Energy ويُعتقد حديثاً أنها المسؤولة عن التّوسع الأسيّ للكون أكثر من أي وقت مضى.

وقد تم الإعلان في شهر مارس/آذار من العام الحالي عن تأكيد وجود موجات الجاذبية Gravitational Waves، والتي كان يُنظر إليها أساساً على أنها تثبت حدوث التضخم، ولكن النتائج تم تجميدها لاحقاً.

ومن المُحتمل أنّ فريق تليسكوب BICEP2 الذي قام بالعمل قد يكون أخطأ في فهم التراص بالإشارة المسجلة على أنه موجات الجاذبية، بينما تشير تحليلات لاحقة على أن هذا التراص قد يكون مجرد إشارة ناتجة عن الغبار المجري. وفي حال كان هذا التّفسير حقيقي (أي أنهم بالفعل أثبتوا وجود موجات الجاذبية) وعلى ضوء مشاهدتهم للموجات في الخلفية الكونية الميكروية CMB –أقرب ضوء منبعث في الكون – فإننا سنكون قد حصلنا على بصمة التوسع السريع للكون .

وقد وجد علماء الفلك وعلماء الكونيات في المؤتمر الدوليّ لفيزياء الجسيمات وعلم الكونيات (COSMO) كيف ستتأثر نماذج الكون مُستقبلياً كالأبحاث المتوقفة وفي أي اتجاه يهب الغبار بعيداً.

وقال ويل كيني (will kinney ) من جامعة بوفالو في نيويورك :" يُريد الجميع أن يكون تليسكوب BICEP2 مُحقاً لأننا في هذه الحالة سنذهب باتجاه تفعيل الدّقة في الفيزياء بشكلٍ لا يُصدق على نموذج التّضخم في المستقبل المنظور، وهذا بالفعل سوف يكون رائعا".

حالياً، يجب على الفيزيائيين أن ينتظروا البيانات الجديدة من القمر الصناعيّ بلانك والذي سيفحص المشاكل في BICEP2، والذي ليس من المقرر اطلاقه حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني (الشهر الحالي)، وسرت شائعات قوية في كوزمو أن ورقة بحث واحدة هي التي ستحمل وجهة النظر استناداً إلى بيانات بلانك في حقول BICEP2 وسيتم نشرها يوما ما.

وشهد مؤتمر COSMO مؤخراً ابتكار طريقة لاستكشاف الطاقة المُظلمة في المختبرات الأرضية (شاشة الحرباء ) وهي التّجربة التي يمكن أن تُظهر أن التوسع هو خاصية في نسيج الزمكان نفسه، كما أنه قد يشكل قيوداً جديدة على النموذج الأكثر تدميراً من الطاقة المظلمة والتي بها سوف نرى عالمنا يتمزق ذرة ذرة.

يقول دراغان هونتر Dragan Huterer في جامعة ميتشيجان :" كلنا مقيد بالطاقة المظلمة. اسم هذه اللعبة : قياسك لتاريخ توسع الكون ".

يعتقد العديد من الفيزيائيين أن الطّاقة المظلمة تَدفع الكون بعيداً من خلال مواجهة الجاذبية. في حال كان هذا صحيح، إذا لماذا لم نشهد هذا في التّجارب أبدا؟ 
حتما هنالك فرضية واحدة وهي أن القوة تتكيف مع بيئتها وتنشط فقط في الفراغ، بينما مسألة الكثافة في نظامنا الشمسي "مَخفية" من المكان الذي ننظر منه.
وقد بدأ مجموعة من الباحثين في جامعة توتنغهام العمل على الفحص المخبريّ للعثور على هذه القوى المُتموهة (الحربائية ). وتقول كلاري بوراج :" إذا أمكن تلمس آثار الطاقة المُظلمة فقط خلال مساحة فارغة كما في الفضاء، حينها قد يظهر نفس التأثير حتى في فراغ الغرفة التي تحتوي فقط على كرةٍ صغيرة من مواد مُستقرة وسحابة مُجرّدة تحوي 1000 ذرة ".

كما يخطط الفريق لاستخدام الليزر لتحريك الذرات مسافة قدرها 1 ملّيمتر في جميع أنحاء الغرفة، وفي أثناء تنقل تلك الذرات سوف تؤثر عليهم الجاذبية الأرضية كما أنها ستجعل مواد الكرة تضطرب، وسوف تقيس التجربة القوى التي ستؤثر عليهم. وفي حال وجود قوة مُموهة تؤثر على الذرات، فينبغي أن تأخذ مساراً مُختلف قليلاً، والتي سوف تكون مرئية في الحالات الكميّة النهائية.

لم يقم الفريق بتلك التجربة بعد ولكنه طلب من وزارة الدفاع البريطانية جهاز ليزر خاص من نظام GPS الكموميّ والذي ينبغي أن يصل في الأشهر القليلة القادمة.

يقول أدريان إريكيك Adrienne Erickcek من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيلسوف :" إنّ إيجاد قوى لديها القدرة على التّخفي كالحرباء لا يعني بالضرورة أننا قد وجدنا الطاقة المظلمة. ولكن سوف تُظهر أن آليات التّخفي هي تفسيرٌ معقول لفشلنا في قياس آثار الطّاقة المظلمة في الأماكن القريبة منا في الكون ". ويضيف أيضا :" إنه لأمرٌ مُدهش. لقد افترضت دائماً أنّ القوة الحرباء سيتم فحصها مهما كان، لكنها أظهرت حقا أنّ قياسها قد لا يكون أمراً مَضموناً وهذا فعلاً أمرٌ مُثير جداً " .

كمومية الزمكان 
لقد تمكنت تجربة التي أجريت في كوخ في ضواحي شيكاغو من إظهار أنّ الطاقة المُظلمة هي ببساطة خاصية ناشئة من الزمكان، بقدر ما تبرر ديناميكا السوائل كيفية تفاعل جزيئات الماء.

وكان الهدف من تجربة Holometer هو العُثور على الوحدات الأساسية للزمكان، وستكون مئة مليار مليار مرة أصغر من البروتون. وكالمادة والطاقة على المستوى الكميّ، فإن هذه القطع من الزمكان تتصرف مثل موجات أكثر من كونها جسيمات.
ويقول Craig Hogan من جامعة شيكاغو والذي يدير التجربة :" إنّ النظرية تنص على أنّ الفضاء مَصنوعٌ من الموجات بدلاً من النّقاط، أي كل شيء مُتوتر قليلاً ولا يظل في مكانه أبداً ". ولقد تمَ تصميم Holometer لقياس هذا التوتر .

تفاصيل التجربة 
سيتم توجيه شعاعيّ ليزر قويان من خلال أنابيب طولها 40 متر. الليزر المَوْزُون سيتمركز على المرايا على طول المسار عند النقطتين في نفس الوقت.
في حال كان الزمكان مُستقر ولا يظهر أي سلوك كميّ، فينبغي أن تبقى المرايا ساكنة تماماً، ولكن إن كان تطابق الليزران المَوْزُونان يحوي فرقاً صغيراً بين المرآتين مع مرور الوقت وبعد أن يتم استبعاد أي آثار خارجية أخرى، فسيعني هذا اهتزاز المرايا بسبب تقلبات النّسيج الفضائي.

ومن ثمَ أخذ هوجان خطوة أخرى إلى الأمام وقال :" هنالك إمكانية أن الحالة الكميّة للزمكان والمادة مُتشابكة، وبالتالي لا يمكنك قياس أحدهما دون التأثير على الآخر.
وتُكافح أفضل نظرياتنا الحالية في توحيد وصف الزمكان من حيث الهندسة وأهميته من حيث المجالات الكمومية".

في المقاييس الصغيرة التي تربط الخاصيتين فإنّ هندسة الزمكان وحدها هي التي تُجبر الكون على التوسع. وقال هوجان في اجتماع COSMO كوزمو أن النتائج الأولية تظهر أن Holometer يمكنه قياس التّقلبات الكمومية إن كانت موجودة، ويمكن جمع بيانات كافية للحصول على إجابة في غضون عام.

كان اعتقاد العلماء أنّ مُعظم أشكال الطّاقة المُظلمة تبقى كميتها ثابتة. ولكن منذ حوالي 10 سنوات، أدرك علماء الكون أنّ الكثافة الكلية للطاقة المظلمة في تزايد، ومن الممكن أن يتوجه الأمر لسيناريو الكابوس - "التمزق الكبير". 
ومع توسع الزمكان أسرع وأسرع، سيتم تمزيقه، بدءا من المجرّات وحتى أنوية الذرات. ويدعوه علماء الكونيات "بالطاقة الوهمية".

ولمعرفة ما إذا كان هذا صحيحا أم لا، التفت دراغان هوتيرير Dragan Huterer في جامعة ميتشيجن إلى الفئة الأولى من السوبرنوفا (المستعرات الفائقة) وذلك لأن هذه الانفجارات النّجمية لديها السطوع ذاته، لذلك فهم يتصرفون وفق المقاييس الكونية لقياس المسافات، كما أن أول دليل على أن الكون يتوسع بتسارع كبير قد جاء من الدراسات على الفئة الاولى من السوبرنوفا في أواخرالتسعينيات.

وفي حال كانت السوبرنوفا تتحرك بتسارعٍ يجعلها تبتعد عن بعضها البعض ببطء في الماضي أكثر مما هي عليه الآن، فإنّ كثافة الطاقة المظلمة قد تكون في تزايد وقد نكون في ورطة. ويقول هيوتير :" حتى لو تحركت بمسافة ميليمتر على الحافة، كنت ستقع في الهاوية". 

وقد جمع هوتيرير وزميله دانيال شيفر Daniel Schiffer البيانات من مسوح السوبرنوفا الأخيرة ووجدا اعتمادا على الدراسات الاستقصائية التي نستخدمها، أن هناك احتمال وجود دليل بسيط على أن كثافة الطاقة المُظلمة قد كانت تتزايد منذ أكثر من ملياري سنة، ولكن تلك الاحتمالات ليست ذات دلالة إحصائية بعد.

ملحوظة :- (نظرية الطاقة الوهمية نظرية مستضعفة ولكن لها عواقب مأساوية بحيث أنها تستحق الاختبار، كما أن ضعف الأدلة مُتوازن مع حقيقة أنّ آثارها قد تكون ضخمة و كما يقول هوتيرير :"سيكون علينا إعادة النظر بشكل كامل حتى في تفكيرنا الحالي عن الطاقة المظلمة في حال كانت (الوهمية) حقيقية و فعالة " ) .

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: