أعلن المركز الأوروبي للبحوث النووية CERN العام الماضي عن اكتشاف جسيم بوزون هيغز، وهو الجسيم الذي طارده الفيزيائيون طويلاً، وقد شكل هذا الإعلان نصراً للعديد من الفيزيائيين الذين عملوا سنين طويلة للبحث عن هذا الجسيم الصغير والمرواغ. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم قد يكونوا اكتشفوا جُسيماً مشابهاً وقد لا يكون وحده فقط.
تُشير العديد من الحسابات إلى أن الجُسيم المكتشف في (CERN) هو فعلاً جُسيم هيغز الشهير، كما أن الفيزيائيين مُتفقون تماماً على أن مُسرع الجسيمات الضخم - صادم الهادرونات الكبير - التابع لـ (CERN) قد اكتشف جُسيماً جديداً لم يتم ملاحظته من قبل، لكن ووفقاً لفريق بحث دولي لا يوجد دليل قاطع على كون الجسيم المكتشف حديثاً هو جسيم بوزون هيغز الذي تبنأت به نظرية النموذج المعياري Standard Model.
دقق فريق الباحثين في قائمة بيانات (CERN) العلمية عن الجُسيمات المكتشفة حديثاً ونشروا تحليلهم في صحيفة Physical Review D. A.
يشرح Mad Toudal Frandsen وهو أستاذ مشارك في مركز علم الكون وفيزياء ظواهر الجُسيمات وقسم الفيزياء والكيمياء والصيدلة في جامعة جنوب الدنمارك قائلاً:" يمكننا الأخذ ببيانات CERN على أنها دليل على وجود جسيم هيغز وهو حقاً الجُسيم الذي يفسر وجود هذه البيانات، لكن يوجد تفسيرٌ آخر أيضاً، فهُنالك بعض الجسيمات التي قد تعطينا نفس البيانات".
لا يُلغي تحليل الباحثين احتمالية كون الجسيم المكتشف من قبل CERN هو جسيم بوزون هيغز الذي تنبأت به نظرية النموذج المعياري، الفكرة أن هذا التحليل الجديد للبيانات التي تم الحصول عليها في CERN يظهر أن هناك احتمالاً آخر بكون هذه البيانات تتبع لنمطٍ آخر من الجسيمات، وهو احتمال يساوي احتمالية أن يكون الجسيم المكتشف أيضاً هو جسيم بوزون هيغز.
يقول ماد تودال فراندسين :" البيانات الحالية ليست دقيقة بما فيه الكفاية للتأكّد من ماهية الجُسيم المكتشف، أو أن يكون عدداً من الجُسيمات المعروفة".
إن لم يكن الجُسيم المكتشف في صادم الهادرونات الكبير هو جسيم بوزون هيغز، ما هو إذاً ؟
يقول ماد تودال فراندسين :" نعتقد بأن الجُسيم المكتشف قد يكون ما يسمى بـ techni-higgs particle. هذا الجُسيم يشابه جسيم بوزون هيغز ولذلك يحمل نصف اسمه."
يُمكن الخلط بين الجسيمين بسهولة، إلا أنهما جُسيمان مختلفان من نظريتين مُختلفتين جداً عن كيفية تكون ونشوء الكون. فجُسيم بوزون هيغز هو القطعة الناقصة في نظرية النموذج المعياري Standard Model، وهي أنجح نظرية فيزيائية ظهرت حتى الآن، حيث تمكنت من وصف وشمل ثلاث من القوى الأساسية في الطبيعة (القوى الأساسية عددها أربعة). وعلى الرغم من نجاحها الكبير وإثبات وجود كافة الجسيمات التي تتنبأ بها النظرية، إلا أنها لا تتضمن شرحاً لوجود المادة المظلمة، الجزء الأكبر من مادة الكون. لو كان الجُسيم المكتشف حديثاً هو بالفعل جُسيم techni-higgs، فإننا سنكون مقبلين على اكتشافاتٍ وتطوراتٍ مختلفة تماماً عما كان يأمل به العلماء.
يقول ماد تودال :" لا نعتبر جسيم techni-higgs على أنه جسيم أولي، عوضاً عن ذلك، نعتقد أن مُركبٌ من جسيماتٍ أولية أصغر تدعى techni-quarks والتي قد تكون اجتمعت بطرقٍ مُختلفة لتشكيل techni-higgs، بينما المَجموعات الآخرى قد تكون تشكّلت من المادة المظلمة. تتنبأ نظريتنا بإيجاد عدة جُسيمات مختلفة وجميعها مبنية من techni-quarks، وذلك ضمن صادم الهادرونات الكبير LHC".
إن وجد techni-quarks، فلابد من وجود قوى تقوم بربطهم لتشكيل الجُسيمات، وبالنسبة للقوى الطبيعية الأربعة الأساسية (الجاذبية ، الكهرباء ، القوى النووية الضعيفة، والقوى النووية الشديدة) فهي غير جيدة في ربط techni-quarks مع بعضها البعض ولذلك لابد من وجود قوى طبيعية أخرى لم تُكتشف بعد يُسمّيها العلماء technicolor force.
ما تم اكتشافه في CERN قد يكون جُسيم بوزون هيغز الذي تتبنأ به نظرية النموذج المعياري، أو قد يكون جُسيم light techni-higgs المؤلف من جسيمات techni-quarks.
يعتقد ماد تودال فرندسين أن البيانات القادمة من CERN قد تساهم في تحديد ما إذا كان الجُسيم المُكتشف هو بوزون هيغز أو جُسيم techni-higgs، وفي حال امتلك مسرع صادم الهاردونات الكبير قوةً أكبر، فإنه قد يمتلك القدرة على مُلاحظة techni-quarks بشكلٍ مباشر.
المصدر